-A +A
حمود أبو طالب
أكتب لكم من نجران، أكتب بفرح عظيم وسعادة غامرة وامتنان كبير، لأني بعد زيارة سابقة قبل خمس سنوات تقريباً أراها الآن وقد قطعت مرحلة جيدة في مشوار التنمية والتطوير والتحديث، أما السبب الأهم فلأن الإنسان عندما يحل في نجران فإنه يعجز عن إيجاد الوصف اللائق بكرم وأريحية ورحابة وشهامة أهلها، الذين يفتحون لك بوابات قلوبهم قبل أبواب منازلهم.

ورغم هذه السعادة الحقيقية اسمحوا لي أن أعبر أو «أفضفض» عن بعض الامتعاض، أو الحزن أو الاستياء الذي خامرني وأنا أتجول في واحد من أهم وأعظم المواقع الأثرية في العالم، الذي طالما تمنيت رؤيته، وأعني به مدينة الأخدود. هذا الأثر الإنساني العظيم بحمولته التأريخية الضخمة وأبعاده المتداخلة مع حضارات عديدة، وفرادته مقارنةً بآثار أخرى، توقعتُ أن أراه في الصورة اللائقة به، أو على الأقل في صورة معقولة لا تشكل ضرراً على مكوناته، ولكن للأسف ما رأيناه أنا وزملائي في الجولة كان غير متوقع من حيث العناية والصيانة والنظافة والتعريف بمكونات الموقع، طرقات ترابية عتيقة تتناثر حولها كنوز من الآثار لا تتوفر لها الحماية من عوامل التعرية أو العبث البشري، تختلط الحجارة ببقايا العظام البشرية، إلى جانب منحوتات أوشكت على التهدم، ولولا السور القصير والبوابة ووعي أهل نجران بقيمة المكان لربما كان في وضع أسوأ مما رأيناه.


لقد تجاوزنا مرحلة الحساسية التي فرضها البعض عبر زمن طويل تجاه الآثار، ولدينا الآن جهة رسمية مسؤولة عنها والحفاظ عليها واستثمارها ثقافياً وسياحياً، لا نعرف ما هو تفسيرها أو مبرراتها في ترك مدينة الأخدود بهذا الوضع، رغم أنها يمكن أن تكون مزاراً سياحياً عالمياً لا مثيل له.