-A +A
أنمار مطاوع
هذه الأيام العشرة.. هي خير أيام السنة؛ يذهب بعض العلماء إلى قول إن: «العشر الأوائل من ذي الحجة أفضل من العشر الأواخر من رمضان» -رغم وجود ليلة القدر فيها-. فهذه الأيام الفضيلة تضم خير الأيام: يوم النّحر «إن أعظم الأيام عند الله يوم النَّحر»، وتضم اليوم المشهود -الذي تشهده الملائكة- يوم عرفة.. وفيه تتنزل الخيرات والبركات على كل المؤمنين «ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ»، وصيامه يكفِّر سنتين، وفيه خير الدعاء «خيرُ الدُّعاء دعاءُ يوم عرفة»، وفيه اكتمل دين الله (الْيَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ..).

هذه الأيام تتجلى فيها القدرة الإلهية في خلق وإدارة البشر. فالتأمل في أيام الحج يذكّر العبد بكونه عبداً لله.. خاضعاً لإرادته.. راضياً بحكمه.. شاكراً له.


أجمل ما في هذه الأيام أنها فرصة مناسبة لتهذيب الذات؛ وهذا يعني تطويرها لمرحلة أكثر تقدماً في الأقوال والأفعال.. والروحانية. فهذه الأيام تشتمل على أمهات العبادات: فيها يقام ركن من أركان الإسلام، وفيها الصيام، وفيها الدعاء، وذكر الله، والبرّ، والتطوّع.. وجميع العبادات القلبية والجسدية والقولية؛ أي فيها حث النفس على الالتزام بـ(أمهات العبادات)، وفي هذا تهذيب وترويض كبير للذات.. بقية العام.

يقول صلى الله عليه وسلم: «ما مِن أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيها أحبُّ إلى اللَّهِ من هذِهِ الأيَّام..» وأهم الأعمال الصالحة: تحقيق التوحيد بأن يعرف العبد أن كل عمل يقوم به يجب أن يكون خالصاً لله، بعيداً عن الرياء والمفاخرة. ومن الأعمال الصالحة التوبة من الذنوب -خصوصاً تلك التي يعرفها العبد-، وذكر الله في التكبير، والتهليل، والتحميد والتسبيح.

من تهذيب الذات، الالتفات لعبادة الشُّكر.. فهي من أجلِّ العبادات (.. وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) ويرى بعض العلماء أن الله قسّم العباد إلى قسمين: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)؛ معرفة هذه المعلومة كفيل بجعلنا نلتفت حقاً لعبادة الشكر.. ونروّض النفس على ثقافة (القبول) بما قسم الله والرضا بما أعطاها.. وعدم الطمع فيما لا تملك.

أهم جانب من جوانب تهذيب الذات هو تعويد النفس على الجهاد في الخير؛ أي جهادها في الأعمال الحسنة، وجهادها في كبح الهوى، وجهادها في رد الوساوس الشيطانية، ورد النفس الأمارة بالسوء عن الإساءة النفسية أو اللفظية أو المادية للآخرين.

هذه الأيام فرصة لترويض النفس في أقوالها وأفعالها ونواياها.. هي فرصة للالتزام بقول الخير.. وفعل ما يرضي الخالق.. وإضمار النيات الحسنة للآخرين، وعدم إضمار الشر والحقد والحسد والأفكار السيئة لهم.

ما سبق هو أوسع أبواب تطوير الذات.. هو مفتاح السعادة السحري الذي يبحث عنه العالم.. ومن نعم الله علينا أنه يتيحه لنا بالمجان.. في هذه الأيام المباركة.

إن أجمل أساليب تطوير الذات هي تلك التي تتم من خلال العبادات.. فهي تترسخ وتتأصل في الذات.. وبالتالي تُضفي على صاحبها صفاء الإخلاص لله واللجوء إليه بالدعاء الصادق والمُخلص.. فهو المُجيب سبحانه؛ دعوة صادقة بقلب مخلص قد تفرّج أزمة عمرها سنين.

هذه الأيام فرصة لتطوير الذات: نفسياً وجسدياً وروحياً.. اغتنمها.