-A +A
عبداللطيف الضويحي
سنوات طويلة غاب خلالها معهد الإدارة العامة عن الساحة المحلية وعن المشهد الإداري ظننت معها أن المعهد أصبح جزءاً من التاريخ ولم يعد لاعباً إدارياً مهماً ومؤثراً منذ نهاية السبعينات إلى نهاية تسعينات القرن الماضي. حتى ظننت أن التقصير مني بعدم متابعتي لنشاطات المعهد منذ أن تركتُ العملَ بهذا الصرح الذي تجاوز اسمه وسمعته حي الملز وشارع الفرزدق إلى كل المؤسسات الحكومية وفروعها والعاملين فيها على امتداد مؤسسات العمل الحكومي وحتى غير الحكومي في المملكة حتى غدا مرجعيةً عربية ودولية في مجال التطوير الإداري والتنمية الإدارية والثقافة الإدارية.

لكن المعهد عاد إلى المشهد وعلى مدى يومين، من خلال مؤتمر نظمه المعهد بعنوان «الابتكار ومستقبل العمل الحكومي»، ويهدف المؤتمر كما نشر في الصحافة ووسائل الإعلام إلى استشراف المستقبل وتحفيز ثقافة الابتكار في ممارسة العمل الحكومي من خلال ست جلسات يحضرها عدد من المختصين المحليين والدوليين والممارسين ومن خلال استعراض ومناقشة الممارسات التطبيقية والتجارب المحلية والإقليمية والدولية التي كان لها أثر في تحقيق التنمية الإدارية.


إن مؤتمراً بحضانة معهد الإدارة العامة ويطرح موضوعاً حيوياً في مجال التنمية الإدارية حتماً وقطعاً هو مؤتمر على درجة من الأهمية والقيمة في التنمية الإدارية وفي الثقافة الإدارية، لكني أخشى أن يكون المعهد قد تأخر عن مواكبة المتغيرات والتطورات المحلية وغير المحلية في مجال التنمية الإدارية، كما أخشى أن المعهد قد تأخر عن دوره الاستباقي المرجعي المرموق في طرح كافة القضايا الإدارية في المملكة وفي معالجاته للإصلاح الإداري والتطوير الإداري ككل.

فبخلاف التدريب عن بُعد، الذي عليه ما عليه، مثلما له ما له، لا أعرف ما إذا كان المعهد يملك رؤية واضحة حيال الرقمنة والأتمتة والتعاملات الإلكترونية وانعكاسها الإيجابي والسلبي على التنمية الإدارية، ولا أعرف إن كان للمعهد رأي حول جاهزية المؤسسة الحكومية في بعض قطاعاتها لمرحلة خصخصة بعض القطاعات من خلال برامج التحول ورؤية المملكة 2030، مع أن الخصخصة ليست جديدة على مجتمعنا؟ كما أن للمعهد دوراً يفترض أن يلعبه في مجال الدراسات المتعلقة بحجم الفجوة بين القطاعين العام والقطاع الخاص وانعكاس ذلك على سوق العمل وحجم البطالة.

استوقفتني كلمة «الابتكار» في عنوان المؤتمر «الابتكار ومستقبل العمل الحكومي»، ولا أعرف إن كان المؤتمر عالج أو حتى ناقش إشكالية حقوق الابتكار في العمل الحكومي على وجه التحديد. لأن حقوق الابتكار بشكل عام -وليس في العمل الحكومي فحسب- لا تزال بحاجة إلى بلورة وترسيخ وتجذير. وثقافة العمل الحكومي والعاملين في المؤسسة الحكومية تجيِّر الابتكار للمدير المباشر أو لأحد المديرين في سلسلة المديرين صعودا، فلا يصيب المُبتكِر من ابتكاره حقٌ مادي أو معنوي، بل ربما يكون الابتكار وبالاً على صاحبه ومستقبله الوظيفي. ولا أظن أن ثقافة العمل في القطاع الخاص بعيدة عن ثقافة العمل في العمل الحكومي في ما يتعلق بحقوق المبتكر. فمن المعلوم أن الابتكار يأتي إما من فكرة أو من حاجة، لكن هيئة الملكية الفكرية وعلى لسان أحد مسؤوليها، تقول إنها لا تحمي الأفكار.