-A +A
زياد عيتاني
أنا مواطن لبناني، منذ أكثر من 10 سنوات كما كُتب على بطاقة هويتي القديمة التي استبدلت بدورها ببطاقة حديثة منذ ما يزيد أيضاً على 10 سنوات.

أنا مواطن لبناني، درست في الجامعة اللبنانية وتخرجت منها ونلت فيها أعلى الشهادات. ظننت أنني سأكون مواطناً صالحاً في هذه الأرض الجميلة التي نُظمت بها الكثير من القصائد والأبيات. رفعت علم بلادي في كثير من المناسبات عندما خرج من مدينتي بيروت المحتل الإسرائيلي عام 1982. احتفلت ملوحاً به أنا والجيران على الشرفات، وحملته وسرت به باتجاه ساحة الحرية عندما اغتيل الرئيس رفيق الحريري عام 2005 بطنٍ من المتفجرات. لوّحت به مع كل شركائي بالوطن وصنعنا معاً ثورة الأرز، وكنا نصرخ سوياً ارفعوا هذه الرايات. ثم حملناه في انتخابات عام 2009 وذهبنا إلى صناديق الاقتراع معاقبين حسن نصر الله قائلين له: «غزوة بيروت ليست باليوم المجيد، وهذه الأرض لأبنائها لن تستطيع بسلاحك وبميليشياتك أن تغيّر وجه مدينتنا الجميل». ثم حملنا علم الوطن في 17 تشرين 2019 صارخين: «كلن يعني كلن» معلنين الحرب على الفساد والفاسدين. أقفلنا الطرقات، نصبنا الخيم في الساحات، واحتفلنا بعيد الاستقلال كما لم يُحتفل به من قبل بشكل حضاري جميل ثم حكومة بعد حكومة واستقالة بعد اعتذار فحصل الانهيار الاقتصادي الكبير.


أصبحنا نبحث عن الرغيف، وعن الكهرباء، وعن المستشفى، وعن صفيحة البنزين. لم نعد قادرين على حمل علم وطننا ففي يدٍ نحمل رغيفاً، وفي اليد الأخرى نحمل قنديلاً كي نضيء الطريق المعتمة بفعل انقطاع الكهرباء. تلك الحكاية التي لا تعرف نهاية رغم أن وطننا بمساحته صغير.

أنا مواطن لبناني، أعلن بكامل قواي العقلية والنفسية أنني أعرض جنسيتي للبيع، لست بحاجة لها فالأرض التي لا تُطعمك بعد أن تزرعها ما جدوى زراعتها من جديد، والوطن الذي لا يحفظ كرامتك ليس بوطن كبيراً كان أم صغيراً.

جنسيتي يا سادة برسم البيع. فهل بينكم من مشترٍ كريم؟ وإن لم يكن يملك المال فأنا مستعد أن أقبض ثمنها بالتقسيط، وأن أبحث في أصقاع الأرض عن وطن جديد.

أنا مواطن لبناني، لا أريد العيش تحت هيمنة مليشيا يأمرها الإيراني من بعيد، ولا أريد العيش تحت سلطة رئيس ينام معظم النهار وكل الليل ولا يعرف القريب من البعيد. ولا أريد أن أقف في طابور أمام الفرن، وأمام محطة المحروقات، وأمام المستشفى، وعند باب المدرسة وعندما أريد أن أشتري دواء لطفلي الصغير.

جنسيتي برسم البيع دون أيّ وسيط.