-A +A
محمد الساعد
هل هؤلاء هم الديموقراطيون الأمريكيون الذين عرفهم العالم خلال العقود الماضية.. لطالما قدم نفسه الحزب الديموقراطي في أمريكا مناصراً للقضايا الإنسانية ونضال الأقليات، وكثيراً ما فضل الدبلوماسية على الأعمال العسكرية حتى لو أصيبت أمريكا نفسها بأعمال حربية وإرهابية، وكان انطباع العالم بأنهم -أي الديموقراطيين- أقل اندفاعاً من شركائهم «الجمهوريين» في حكم واشنطن خلال الأزمات الدولية، ولا يلجأون للحلول العسكرية إلا نادراً.

لكن الانقلاب الحقيقي في قيم الحزب الديموقراطي حصلت وتغيرت أولوياتهم السياسية مع تزاوج الحزب الديموقراطي الأمريكي مع أفكار وأيديولوجيا الرئيس الأسبق «باراك أوباما» الذي يوصف بأنه (قديس) الديموقراطيين، والمؤسس الحقيقي لهيمنة اليسار المتطرف على أفكار الحزب التقليدية التي تشكلت على أيدي الآباء المؤسسين بقيادة كل من توماس جيفرسون وجيمس ماديسون واندرو جاكسون، عام 1828.


كان سِفاحاً أكثر منه زواجاً بين ديموقراطيين ويساريين منحلين من جهة، وبين فكر أوبامي أممي انتقامي من جهة أخرى، فكر يريد نقض العالم والخلاص من نتائج البناء «العبودي» الذي اخترعه الإنسان القديم، واستمر معه آلاف السنين، تلك العبودية التي يحمل كاهلها أوباما وبسببها تشتت بين ثلاث قارات، أب أسود وأم بيضاء، وزوج أم آسيوي من أصول إندونيسية.

أوباما يؤمن أن ذلك النظام الاجتماعي البشري استهدف في الأغلب العرق الأفريقي الذي ينتمي إليه أوباما، بسبب تسلط الإنسان الغربي على أفريقيا تحديداً، وأن الإنسانية في شكلها الحالي هي السبب في تقسيم المجتمعات إلى إثنية حادة (أبيض، أسود. ذكر، أنثى)، وأن ذلك التقسيم هو سبب شقاء العالم.

تركز الأوبامية اليسارية على دمج العرقين الأبيض والأسود تحديداً لخلق إنسان جديد لحكم العالم في المرحلة المقبلة، إنها نظرية إرهابية تؤمن بتفوق العرقين إذا اندمجا، ليست بعيدة عن تفوق العرق الآري التي آمن بها هتلر، ولو كان اليسار عادلاً فيما يؤمن به لدمج العرق الأصفر أيضا، والهنود الحمر الذين تمت إبادة معظمهم على أيدي البيض.

تظهر تلك النظرية شديدة التطرف من خلال الترويج للجنس، والزواج المختلط، والعمل، والدراسة، والصداقة، الفنون هي أكثر ما يفضحها، إذ تفرض هوليود وشركات الإنتاج الضخمة «نت فليكس» -على سبيل المثال- جدولاً بالمشاهد المفروضة، ومنها الجنس والشذوذ والعلاقات المختلطة والمختلفة، وتسويق ثنائية الأبيض والأسود، والروابط بين الرجال والنساء، والإصرار على وجود السود في كل مشهد، كما يقوم اليساريون بتزوير التاريخ وإدخال السود في الدراما الكلاسيكية التي تتحدث عن القرون الوسطى وإظهارهم كجزء من الطبقات الارستقراطية، بينما الحقيقة تقول إن الإنسان الغربي استعبد بكل وقاحة السود ووضعهم في طبقة متدنية.

يسعى أوباما وفريقه المتطرف إلى خلق إنسان جديد هو خليط بين البيض والسود ومن المتحولين والشاذين والمثليين ليحكموا العالم ويستعبدوا مكوناته الأخرى (عرب، أصفر، هندي)، ليصبح شعب أوباما هم الشعب المختار.

يرافق ذلك تغير سياسي خشن يمارسه الديموقراطيون الأمريكيون الذين عرفوا بالنفس الطويل، فهم يحملون الآن عصا غليظة في تعاملهم مع الجميع، من موسكو إلى بكين وحتى تل أبيب، بشكل غير معتاد، يغير الأوليات السياسية والتحالفات الاستراتيجية، ويعدل الخرائط.

انعطافات حادة، وإعادة تموضع غير مسبوقة لم تشهدها واشنطن من قبل، من بحر الصين العظيم شرقاً إلى البحر الميت ونهر الأردن غرباً، إخراج داعش والقاعدة من سباتهما الذي دام سنوات، ودعم طالبان واستدعائها من جحور تورا بورا، وتسليمها أفغانستان، إضافة إلى التخلي عن شكل العلاقات مع الحلفاء والشركاء التقليديين، كلها تثير الشكوك وتنبئ بشر كبير قد اقترب، فلا حوار تقدمه واشنطن، بل طلبات يجب أن تنفذ -الأتراك مثالاً-، هذه المسارعة مريبة جداً، وتعطب الشكل السياسي القديم الذي عرفه العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

يجب أن تأخذ الدول المعنية في المنطقة التحركات الأمريكية في الإقليم والعالم بحذر شديد، فالغول الأمريكي أضحى أعمى بصر وبصيرة، والانكفاء على الداخل وتقوية الالتفاف الوطني هو الحل، والبناء على الآليات الاجتماعية التي اعتادتها شعوب المنطقة هي خارطة الطريق، فكل المؤامرات تنهار عندما يكون الرأي العام صلباً وملتفاً حول وطنه وقيادته.