-A +A
علي بن محمد الرباعي
تقول الحكاية، أن أحد الزمانات القديمة، شهد حادثة حريق في حمام (ساونا) أو بخار، على الطريقة القديمة، وفي ظل استعار النيران خرج البعض من الحمام (رجالاً ونساءً) دون لباس، هرباً من لظى اللهب، واستنقاذاً للأرواح، فنفذ الهاربون بجلودهم، فيما قضى نحبه من غلب الحياء عليهم، فالتهمتهم النيران، وعندما جاء المحققون ليسألوا صاحب الحمام عن عدد الوفيات، قال قولته الشهيرة «اللي اختشوا ماتوا».

الحياء شعبة من شُعب الإيمان، «يعيش المرء ما استحيا بخير، ويبقى العود ما بقي اللحاء»، وأمام امتحانات مغريات الشهرة والمال قلّ ما ينجح مبتلى، ما يؤكد أنه ليس كل أحد قادراً على دفع ضريبة الحياء.


استعادة هذا المثل في هذا التوقيت ليس من باب التشاؤم، فالخير موجود وسيظل موجوداً في الناس إلى قيام الساعة، وليس من قبيل الشماتة عياذاً بالله، بل هي محاولة للتحاور مع طائفة أو مجموعة أو جماعة أو شلة تظن أن خرق النظام أو التطاول على الآداب العامة من ضمن الحقوق المكفولة بحكم الانفتاح التقني والفضائي، وربما لم يتصوروا أنه ليست هناك حُرية مطلقة في أي مكان من العالم، والحُريّة المُطلقة مفسدة مُطلقة.

هؤلاء الذين يحاولون أو يحاولن لعب دور البطولة لا يدركون أنهم ضحايا، ضحايا الجهل بنظام الدولة، والجهل بمكانة الدِّين الإسلامي عند القيادة والشعب، والجهل بالفرق بين الحريّة والتحرر، والجهل بالفرق بين التميّز والشذوذ، وضحايا صناعات استهلكتنا واخترقت سياج الحصانة بما لا ندرك كنهه من إمكاناتها الفضائحية.

كنت وما زلتُ مؤمناً، بأن العيب والحرام ومخالفة النظام تندرج ضمن أولويات الوعي الذي نستقيه من بيوتنا وأهلنا ومجتمعنا ومدارسنا، والأصلاء لا ينحرفون عن أصلهم الطيب مهما كانت المغريات، مع أخذ احتمالات الخطأ والوقوع في معصية أو مخالفة في الحسبان، فلا معصوم إلا من يعصمه ربه، إلا أن الواعين إذا ابتلاهم الله بمعصية استتروا، وفي الحديث «كل أمتي مُعافى إلا المُجاهرون».

ليت البعض يعيد النظر في كل مقطع أو لقطة سيوثقها ويبثها ويسأل نفسه، هل يصنّف ما يقدمه في خانة إبداع مخترعات، أم إنجاز كشوفات، أم إنتاج معجزات، أم تقديم جديد معلومات، أم تصدير سخافات وتفاهات؟

نحن بأمس الحاجة إلى تدريس التشريعات المحدّثة عن الحقوق والواجبات، وليس مستكثراً أن نشترط على الشركات المصنعة للتقنية أن تضع قائمة محاذير وتزود المشتري بالمخالفات المُجرّمة محلياً وعربياً ودولياً.

سألني الروائي عبدالرحمن منيف، ذات حوار عام 2002، عن استعمال الدواب في مجتمع القرى، وتعجب عندما قلت له لم يبق بيت ما فيه سيارة والدواب إما للأكل أو للإهمال؟ فسألني: هل سبق أن مات أحد القرويين على يد دابة مستأنسة؟ قلت: نادراً جدا، قال: وكم أعمار الشبان الذين يقودون السيارات؟ قلت: أحياناً من سن العاشرة، فوضع يده على جبهته وقال: هل يعرفون تفاصيل السيارة وكيف تسير وكيف تتوقف وكيف يتم التحكم بها في وقت خطورة؟ قلت: أنا أسوق منذ الثانوية ولا أعرف تفاصيل سيارتي، فقال: هذه جناية الحداثة الشكلية العشوائية، وسندفع ثمنها؛ لأننا لم ننتج الأدوات والمركبات، ومن يستعمل ما يجهل يتحول المستعمل لسلاح فتك وتدمير.

تصلنا عبر التطبيقات بعض المشاهد المخزية، أو الفاضحة، التي تستفز المشاعر؛ لأن مجتمعنا السعودي عربي ومسلم، لا يقبل أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وأنظمة الدولة لا تهادن ولا تسلّم بالانسياب والانفلات الأخلاقي، والمجتمع لا يتقبل استثارة حميّته بالفاحش والبذيء من الأقوال والأفعال والصور، فنحن بلد قِيَم وعادات حميدة وغيرتنا على حدود الله ومحارمه فطرية، كما يحتّم الغيرة انتسابنا لموطن الحرمين، ما يجعل أكثر من مليار مسلم يُحسنون الظن بنا، فيا ليتنا نحاكم أنفسنا على كل ما نعزم عليه، أيحسب لنا أم علينا؟ ونسعى لمعرفة موقف النظام منه؟ وما ردة فعل الآخرين عليه؟

لا أودّ أن أتهم البعض بتسويق وترويج ما يسوّقه عنا أعداء بلادنا، دون حيثيات إدانة، وبالطبع ليس المسلم حجةً على الإسلام بل الإسلام حجة على المسلمين.