-A +A
رامي الخليفة العلي
لقي العقيد نبراس فرمان شعبان أبو علي، وهو ضابط في جهاز الاستخبارات العراقية، مصرعه في عملية اغتيال شبيهة بتلك التي تعرض لها ناشطون وضباط وباحثون لم يأتِ عملهم بما يروق للميليشيات المسلحة المنتشرة في العراق. والحقيقة أن الاغتيالات ليست حالة جديدة على العراق منذ ما قبل الاحتلال الأمريكي واستمر حتى يومنا هذا. فمع بداية الاحتلال الأمريكي عمدت أجهزة استخبارات متعددة إلى اغتيال خيرة العقول العراقية من أساتذة جامعين وعلماء وأطباء ومهندسين؛ ما اضطر الكثير إلى مغادرة العراق نحو البلدان الغربية. ثم تحول الاغتيال مع سنوات الحرب الأهلية في عام 2006 وما تلاها إلى صراع مذهبي وطائفي غذت إيران أطرافه مع وجود تغلغل لها في أجهزة الدولة العراقية. ومنذ سيطرة تنظيم داعش الإرهابي وتشكيل ميليشيات الحشد الشعبي أخذت الاغتيالات السياسية بعداً آخر مختلفاً عما كان سائداً. وأصبح الاغتيال السياسي نتيجة لوضع شاذ يعيشه العراق، فالدولة في أحد تعريفاتها هي الطرف الذي يحتكر العنف، وهي الطرف الذي يستطيع استخدام السلاح وفقاً للقانون بما يضمن السلم والأمن الاجتماعي. ولكن هذا الأمر غير متوفر في العراق، صحيح أن القانون العراقي شرعن هذه الميليشيات بضغط من هذه الميليشيات نفسها وتحت تهديد السلاح والسلطة الدينية، ولكن الصحيح أيضاً أن هذه الميليشيات لا تتبع للدولة، ولا تأتمر بأمرها، بل هي تعلن جهاراً نهاراً أنها تتبع ولاية الفقيه في إيران. هذه الميليشيات تريد أن تفرض سلطتها على الأرض؛ لذلك باتت الأنشطة المسلحة تنتشر في العاصمة العراقية، والحواجز المسلحة سرعان ما تنصب في الشوارع الرئيسية عندما يحدث خلاف بين الحكومة وإحدى هذه الميليشيات. ميليشيات الحشد الشعبي أصبحت قنبلة موقوتة وصدامها مع الحكومة العراقية هي مسألة وقت ليس أكثر. حاول السيد مصطفى الكاظمي أن يدير هذا الملف المعقد عبر تفاهمات مع القوى السياسية التي يفترض نظرياً أنها تريد ترسيخ الدولة العراقية، ولكن من الواضح أن محاولاته فشلت، لذلك انتقلت تلك الميليشيات من إرهاب وتخويف المجتمع وخاصة أولئك الذين نشطوا في الاحتجاجات السلمية التي شهدها العراق خلال الأشهر والسنوات الماضية إلى إرهاب وتخويف مؤسسات الدولة العراقية ومن يعمل بها. العراق بين خيارين، خيار إنقاذ الدولة عبر حل تلك الميليشيات واحتكار الدولة للسلاح والضرب بيد من حديد على أيدي أولئك العابثين بأمن وحيوات المواطنين العراقيين. وهذا يستلزم مقاربة مختلفة ستكون غاية في الصعوبة، ولكن السيد الكاظمي يمتلك التأييد الشعبي إذا ما قرر المضي في هذا الطريق وكذا التأييد الإقليمي والدولي، أما الخيار الثاني فهو مزيد من الضعف لمؤسسات الدولة العراقية وتحول العراق إلى جمهورية موز ومرتع للفوضى والجريمة المنظمة وصراع الميليشيات الذي لا بد أن ينفجر في لحظة من اللحظات.. باختصار فإن العراق بين خيار الدولة واللا دولة.