-A +A
أسامة يماني
فتحت عيني في مكة المكرمة ونشأت بين علماء أفاضل يدرسون التفسير والحديث والفقه، ولهم حلقات علم في الحرم المكي أتنقل بينها. كما كانت مجالس الذكر والسيرة النبوية سمة من سمات بيت والدي -يرحمه الله- بمكة المكرمة.

لقد كانت السماحة والاحترام والمحبة والبساطة قيما نعايشها ونلمسها ونتعلمها من خلال الممارسة الفعلية. ومن الملاحظ أن هذا التقارب والتسامح كاد أن يكون هو السائد في ربوع بلادي.


غير أن تلك الحالة لم تستمر، حيث اغتالت الصحوة هذا التسامح، ومزقت النسيج الاجتماعي الذي كان يربط القاصي والداني.

تبدل الحال وأصبح حوار الطرشان السائد المتسيد على المشهد، ولم يعد الجنوب جنوبًا ولا الشمال شمالاً، فقد تغيرت المفاهيم والمشهد. وتذكرت قول الإمام أبو حامد الغزالي: «المطيع القاهر لشهواته المتجرد الفكر في حقيقة من الحقائق، قد لا تنكشف له الحقائق لكونه محجوباً بالتعصب والجمود على العقيدة».

وهناك قول منسوب لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب جاء فيه «من جهل شيئاً عاداه».

المشكلة أصبحت في العقول التي لا تستطيع التواصل حتى صار الحوار معها يغلب عليه صفة حوار الطرشان. ليس عيباً أن يكون الإنسان أصمَّ، وإنما العيب في عدم الرغبة في الفهم والتعلم والانفتاح على الآخر.

حوار الطرشان قصة رمزية مشهورة، وكل بطل في قصة حوار الطرشان لا يسمع للآخر ويرفض أن يسمع له، فهو منشغل في همه وما يراه صحيحاً.

أبطال قصة حوار الطرشان، هم الفكر الذكوري، والفكر الصحوي، والفكر المنفعي، والفكر الأناني.

الفكر الذكوري الذي لا يزال مسيطراً، وهو أحد مخلفات الصحوة والعادات والتقاليد. ومثال صارخ على هذا التحيز الذكوري نجده في قضية نفقة تُطالب فيها مطلقة بنفقة لأولادها من طليقها الذي يتجاوز راتبه مع البدلات 60 ألف ريال، وقد أحيلت المطالبة لجهة الخبرة في المحكمة لتقرر مقدار النفقة. وجاء تعاطف المسؤول ظاهرا لصالح الرجل، وقرر بدون بحث وتحرٍ أن نفقة الطفل الواحد ألف ومئتي (١٢٠٠) ريال. وهذا يعني أن هذا الموظف استغل صلاحياته لصالح قناعاته وليس لصالح العدالة.

علماً أن الدولة أصدرت تعليمات وأنظمة تحمي حق المرأة وتُحافظ على كرامتها، لكن هناك مقاومة للتغيير نتيجة الثقافة السائدة وعدم وجود منظومة تشريعية متكاملة.

إن توجه الدولة وإصلاحاتها ملموس ومشاهد، لكن في ظل غياب منظومة قانونية متكاملة ورقابة فعالة والتزام وانضباط سيكون هناك انفصال بين الواقع على الأرض وبين الرؤية ورسالتها وغاياتها ومستهدفاتها.

الازدهار نتاج سيادة القانون، ولكي يتحقق هذا الازدهار الذي تسعى له الدولة مشكورة يجب أن تكون هناك منظومة متكاملة تقوم وترتكز على سيادة القانون، وتهيئ التربة الخصبة للنمو والازدهار والتنمية والرفاهية. وفي ظل منظومة متكاملة سوف نتمكن من القضاء أو الحد من ظاهرة حوار الطرشان.