-A +A
يوسف بن طراد السعدون
أورد ولفريد ثيسيغر (الملقب مبارك بن لندن) في كتابه رمال العرب «أن ما هو جيد لدى الأعراب أتى إليهم من الصحراء، من شعورهم الديني القوي الذي وجد منفذا له في الإسلام، إلى حاسة الأخوة عندهم التي تربطهم كأعضاء في جسم واحد، إلى فخرهم بعنصرهم وكرمهم وحسن ضيافتهم، إلى كرامتهم واحترامهم لكرامة غيرهم كبشر مثلهم، إلى مرحهم وشجاعتهم وصبرهم».

وعلى الرغم من تلك الصفات السامية للعرب، بدأت تظهر في الآونة الأخيرة نغمة يرددها البعض تطالب بالتدخل الأجنبي في إصلاح الشؤون العربية وتندد بمن يرفضون ذلك، ويتحججون بأن الأنظمة الاستبدادية وما جرته وتجره من معاناة على أوطانها لا يمكن أن تغيرها الشعوب بدون دعم ومساندة من الخارج. وبالتالي لضمان الحياة الكريمة التي تتماشى مع متغيرات العصر، يجب التخلي عن مبدأ السيادة الوطنية وقبول التدخل الأجنبي. وتترادف مع هذه النغمة أيضا مطالبات بالاعتماد على العنصر غير الوطني كمستشارين يخططون برامج الإصلاح الاقتصادي والإداري والثقافي والاجتماعي. ولم يدرك هؤلاء الدعاة أن لقمان الحكيم عندما سئل ممن تعلمت الحكمة، قال من الجهلاء كلما رأيت منهم عيباً تجنبته. فشواهد مصائب التدخلات الأجنبية أمامنا عديدة نستنبط منها العبر، ومنها:


• إن مبدأ سيادة العرق الأبيض (الغربي) وتدخلاته المباشرة في شؤون الدول الأخرى بفرض التغيير عليها وتبني مبادئه بحجة الإصلاح واستعماره، لم تؤد إلا إلى دمار تلك الدول وضياع أمنها واستقرارها ووحدة أراضيها وقيمها وثقافتها وثرواتها. وتجارب العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا والصومال ماثلة نرى نتائجها أمام أعيننا، وشعوبها تبكي دما على ما وصلوا إليه بعد التدخلات الأجنبية. كما أن تجارب التاريخ الحديث للاستعمار الغربي للعديد من الدول العربية والأفريقية والآسيوية واللاتينية، التي بذل أبناؤها دماءهم للتحرر منها، مدونة سلبياتها بكل وضوح.

• إن انتشار ظاهرة اليمين المتطرف في أمريكا والعديد من الدول الغربية أصبحت ظاهرة عالمية، مستندة على مبدأ تفوق العنصر الأبيض. وقد أوضح الكاتبان جاسون بلازاكيس وناورين فينك خطورة ذلك في مقالهما المنشور 4 أبريل 2021 بالمدونة الأمريكية (لاوفير) المخصصة لقضايا الأمن القومي (Jason M. Blazakis, Naureen Fink, The International Far-Right Terrorist Threat Requires a Multilateral Response, LAWFARE). حيث أشارا إلى أن لجنة مكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة سلطت الضوء عام 2020 على هذا التحدي العالمي بإصدار تحذير برصد زيادة بنسبة 320% في الهجمات الإرهابية من قبل الجماعات والأفراد المرتبطين بالتطرف اليميني.والأخطر في الأمر أن هذا التطرف اليميني يجد له الكثير من المؤيدين بين السياسيين والمفكرين في أمريكا والغرب الذين لا يهابون في سبيل تحقيق غاياتهم مساندة أي تطرف عقائدي آخر مثل الإخوان المسلمين أو القاعدة أو داعش. ومن أمثلة ذلك بيان الخارجية الأمريكية 6 أبريل 2021 وتغريدة متحدثها أندى برايس (أحد المتباهين بالشذوذ الجنسي) اللتان أعربتا عن قلقهم لصدور قرار المحكمة السعودية بسجن أحد أعضاء تنظيم داعش الإرهابي وأن هذا الأمر يعد مخالفا لحقوق الإنسان بحرية التعبير التي يجب عدم معاقبتها بتاتا. وتبعها تغريدة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي بتاريخ 6 أبريل 2021 التي عدت قرار المحكمة السعودية قاسيا وغير عادل. وتغافلت هذه الإدارة الأمريكية المتشدقة بحقوق الإنسان عن تصرفاتها بسجن الآلاف من المنتمين لتلك التنظيمات الإرهابية في سجونها المختلفة حول العالم. فذلك الأمر يعد في نظرهم مساساً بأمنهم الوطني، أما حماية الدول الأخرى لأمنها الوطني فذلك يعد تجاوزا لحقوق الإنسان. وحرية التعبير التي ينادون بها لم تشفع لرئيسهم السابق دونالد ترمب، الذي حجبت عنه القدرة في إبداء آرائه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولم نسمع من بيلوسي شجبا لذلك بل كانت هي المحرضة على ذلك!

• إن الدول الغربية التي تدعي دوما حمل لواء الدفاع عن حقوق الإنسان، كأمريكا وبريطانيا وأستراليا وكندا وفرنسا وألمانيا وهولندا، هي التي كانت على رأس قائمة الدول المعارضة على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (237 /‏ 75 /‏ RES /‏ A) بتاريخ ٣١ ديسمبر ٢٠٢٠ بشأن الدعوة العالمية من أجل اتخاذ إجراءات ملموسة للقضاء على العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب، فأي نفاق بعد ذلك!

ونحن أبناء شبه الجزيرة العربية، الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبكل فخر لا نعير مثل تلك الدعوات أي اهتمام. فلم ولن نقبل يوما بالتدخلات الأجنبية في شؤون أوطاننا الداخلية، وليعلم الجميع أننا لن نساوم في ديننا وهويتنا وأمننا واستقرارنا ورفاهنا، الذي تعد أهم مرتكزاته:

1. حكام اختارتهم شعوبنا منذ قرون لقيادتنا، ينطلقون دوما في قراراتهم وإدارتهم على إدراك أن الإصلاح والتطور وسيلة لتحقيق ما تنشده شعوبهم من رغبات وتطلعات وليس لتحقيق ما تسعى له الإملاءات الخارجية. وأسلوب حياتنا ببساطة يتماشى مع دورة النماء والعدل التي أشار إليها ابن خلدون في مقدمته «بأن أي أمر لا يتم إلا بالشريعة والقيام لله بطاعته، ولا قوام للشريعة إلا بالملك، ولا عز للملك إلا بالرجال، ولا قوام للرجال إلا بالمال، ولا سبيل للمال إلا بالعمارة، ولا سبيل للعمارة إلا بالعدل».

2. شعوب أبية مخلصة لدينها وقياداتها ولأوطانها، ولله الحمد، ما زالت قيم الإسلام والعروبة وعذوبة الصحراء متجذرة في دمائها. ولم تتوان حكوماتنا ببذل الغالي والنفيس في سبيل تعليمها وتدريبها وتوفير كافة الإمكانات الصحية والاجتماعية لها. ولذلك ليس مستغربا أن تأتي دولنا الست على قائمة ترتيب الدول العربية في قائمة الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة، وفقا لتقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2019. وهناك ما يقارب 30 مرتبة تفصل بيننا وبين أقرب دولة عربية أخرى في الترتيب العالمي للتنمية البشرية. وهذا الأمر أتاح لنا، بفضل من المولى عز وجل، القدرة للاعتماد على الكوادر الوطنية وبكفاءة عالية، وأغنانا تماما عن الحاجة للاستعانة بالمستشارين والخبراء غير الوطنيين.

خاتمة:

تقول الشاعرة موضي البرازية المطيرية:

يالله يا اللي ماش غيرك خيارا

يا واحدا كل يساله ويرجيه

اللي يتيه الليل يرجي النهارا

واللي يتيه القايلة من يقديه؟