-A +A
محمد الساعد
لا شك أن جريمة مقتل رفيق الحريري عام 2005 كانت واحدة من العلامات السياسية المهمة والفارقة في تغيير نظرة العالم للمنطقة، واستبدال مراكز التحرك، وتداعياتها التي لن تقف عند الفوضى التي ضربت لبنان ثم سوريا ثم دول «الخريف العربي»، خسر الجميع وفازت إيران والتنظيمات الإرهابية فقط.

كانت جريمة موجهة لدول الاعتدال في المنطقة وربما للرياض بشكل خاص أكثر منها للبنان، كان ينظر للحريري باعتباره حليفا مخلصا للسعودية ولابد من إزاحته، لكنها في داخلها حملت الكثير من تفاصيل العلاقة المتشابكة بين الفرقاء اللبنانيين وتنافسهم حول النفوذ والمال وحصد الجوائز، طبقية هي في شكلها خليط من أديان ومذاهب وأعراق وحتى قناعة بمن يستحق أن يعيش في لبنان ومن لا يستحقه، ومن هنا كان ينظر للحريري الذي جاء من حقيبة الدبلوماسية ولم يأتِ من حقيبة الحرب الأهلية.


بعض المسيحيين يرون في إيران حليفاً استراتيجياً ضد العرب الذين احتلوا بلاد الشام قبل 1400 سنة هكذا يرون الأمر، وهكذا يؤمن به الفرس أيضاً، وكلاهما يجتمعون على أن الفرسان العرب الذين قدموا من أوساط الجزيرة العربية دمروا إمبراطورياتهم الفارسية والرومانية، وسبغوا المنطقة بلغتهم وثقافتهم، فتوارثوا -بقايا الفرس والرومان- في صدورهم تململاً من تلك الثقافة «العربية البدوية» محاولين الانعتاق منها، ولذلك لا يستغربُ أحدٌ أن يتحالف الماروني المتشدد، مع الشيعي اللبناني المتشدد ضد العربي أياً كانت مرجعيته.

لماذا قتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري.. هل كان الحريري يستحق القتل من قبل خصومه السياسيين في بلاده أو من جيرانه السوريين، كلاهما اشترك في القتل، وهل كان بتلك الخطورة التي تدفع مرتكبي الجريمة للتهور ومواجهة تداعيات القتل لو لم تكن هناك إشارات سمحت بالجريمة قبل تنفيذها، بلا شك أن حزب الله ومن وراءه من متنمري السياسة والإرهاب في المنطقة يستخدمون أسلوب قهر الرجال والشعوب والحكومات التي تقف في طريقهم.

رفيق الحريري في حقيقته ليس إلا رئيس وزراء لدولة صغيرة هامشية ليس لها وزنها الاستراتيجي في الإقليم، وحتى كونها دولة مواجهة مع إسرائيل فقدت أهميتها مع دخول الدبابات الإسرائيلية مرارا وتكرارا حتى وصلت لبيروت.

أهمية الحريري كانت في ارتباطه بالرياض لا أكثر ولا أقل، فلا لبنان مهم ولا بيروت لها وزن ولا الحريري نفسه مؤثر، عمل الحريري مع الرياض بوزنها وثقلها السياسي والاقتصادي جعل من رئاسته للوزراء في بلاده مهمة وتاريخية، وحولها إلى مرحلة بناء للاقتصاد المترنح الذي خرج لتوه من حرب أهلية قادها بارونات وزعران.

لقد كانت عودة لبنان للساحة العربية والدولية عطفا سعوديا لا أكثر ولا أقل، فلا لبنان مؤثراً ولا هو الخطير على الرياض، وها هو لبنان اليوم يرزح بالكامل تحت نفوذ إيران وحزب الله ومع ذلك يطلبون ود الرياض ويتوسطون لعودتها وهي التي لفظتهم سياسيا وقالت لهم هذه خيراتكم فاجنوا ثمارها، كانت المملكة تمارس واجبها العربي كما فعلته وما تفعله مع الجميع، وهنا يتساءل البعض هل كان لمن لا يستحق؟؟

أجزم أن الرياض لم تفكر في ذلك أبدا، فهي تعطي دون انتظار المقابل، كانت تلك قناعتها بأن الفضاء العربي حيزها وواجبها، وهو ما اشتكى منه وزير خارجية إيران جواد ظريف، عندما أجابه الأمير سعود الفيصل: «ما لكم وما للعربي» عندما طرح الإيرانيون على السعوديين مناقشة تقاسم النفوذ في العالم العربي.

قتل الحريري كان جزءا من قراءة سياسية من سوريا وحزب الله وإيران ومؤيديهم تقول إن الغرب الغارق وقتها في وحل العراق لن يمانع، وحتى لو غضب أمام الشاشات فإنه في نهاية الأمر سيعوم القضية وهو ما حصل، فلا القتلة جلبوا للعدالة ولا حزب الله عوقب ولا السوريون دفعوا الثمن.

عدد الاغتيالات التي قام بها حزب الله وحلفاؤه صاحبت وسبقت وتلت مقتل رفيق الحريري وصلت إلى أكثر من 10 عمليات كان آخرها لقمان سليم قبل يومين، وهذه الأخيرة تشير -بلا شك- إلى أن من أخذ القرار في 2005 يقرأ اليوم نفس المعطيات التي دفعته لقتل الحريري، وأن من ثبت له أن العالم لم يمانع ولم يحولها لقضية كبرى حينها، لن يمانع الآن.

ربما أن الغرب يريد أن يعطي رسالة واضحة للمنطقة تقول إن إيران وحلفاءها هم المفوضون بالقتل فقط، فإيران قتلت معظم معارضيها وهو ما يقوم بها حلفاؤها أيضا «الحوثيون والمليشيات العراقية وحزب الله»، ويبدو أن الغرب لم يكتفِ بذلك، بل هاهو يعطيهم بعض الجوائز إثر قتل سليماني على أيدي الإدارة الأمريكية السابقة، إنها لعبة الموت التي يجيد اليسار الغربي التلاعب بها، ويحولها كيفما يشاء، إما معول هدم ضد من يرفض هيمنتهم، أو جوائز للأنظمة المدللة كالإيرانيين.

كاتب سعودي

massaaed@