-A +A
منى المالكي
تمثل رؤية 2030 بوصلة وخارطة طريق لكل خططنا الاستراتيجية ومشاريعنا التنموية الآن، فكان الاقتصاد قلبها النابض وجودة الحياة أذرعتها سياسياً واجتماعياً وثقافياً، ومن جماليات هذه الرؤية أنها وضعت الاقتصاد المحرك الفاعل الأساس و(الدينمو) المحرك وهذا ما يحقق التحولات العظمى والتغيرات الكبرى في حياة الأمم، فالمال عصب وشريان الحياة، والخطاب الاقتصادي يقوم على لغة الأرقام والإحصائيات والبيانات ومساءلة الأرباح والخسائر، وهو خطاب يختلف تماماً عن الخطاب الثقافي الذي يعنى باللغة وتمظهراتها المختلفة في إنتاج خطابات مختلفة لا يحضر الربح والخسارة رهانات لها!

هنا الوعي بقيمة كلا الخطابين في بناء الحضارات التحدي الحقيقي، فلا يعقل مثلاً النظر إلى الجامعات بأنها حدائق خلفية لتفريخ مكائن لسوق العمل فقط! ولا بد من التوجه إلى العمل على بناء الفكر والوعي بقيمة الكلمة والتعامل مع التغيرات الفكرية التي هي الأساس في بناء الفلسفة لسوق العمل المحلي لمجتمع ما. يصف التربوي جيمس بوتكن في كتابه (الجامعة وتحديات المستقبل) الجامعة بأنها «(معمل) يجري فيه تحليل الماضي واختيار الحاضر، في إعداد البدائل للمستقبل. ولكي تنجح الجامعة في هذا العمل الضخم الشاق، فإن عليها أن تندمج بصورة أوثق وأعمق في مجالات اختصاصها وهذه هي العمليات الخاصة بنمو المجتمعات وتنميتها، ويتطلب هذا حداً أدنى من الاستقلالية» وهو ما حدث الآن. وهذا يعني، أنّه لابدّ أن نفكر بطريقة عالمية، ونتصرف بطريقة محلية، بحيث يكون البعد العالمي جزءاً أساسياً من تفكيرنا، مع الاحتفاظ بالصبغة المحلية وهذا ما تحققه المشاريع الثقافية والدراسات الأدبية مثلاً التي لابد أن تسير جنباً إلى جنب مع لغة العصر الجديد، ومفاهيمه في تحدي ثورة الثقافة فالعالم يمر بثورة جديدة يطلق عليها اسم (الثورة الثالثة) وهي مزيج بين التقدم التقني والثورة المعلوماتية، وتتميز هذه الثورة عن الثورة الزراعية والثورة الصناعية بالسرعة الفائقة في إنتاجها لخدمات وأفكار خلاقة وتملك القدرة الكبيرة على مواجهة التغيرات بسرعة كبيرة، وهذه السرعة تتطلب التسلح بنظام معلوماتي فائق السرعة لمعرفة ما سيحدث في المستقبل لمتطلبات المجتمع جديدة. وهذا يحتم على التعليم الجامعي والمشتغلين بالثقافة الاستعداد لكل هذا التحدي بمخرجات تتصف بقدرات فكرية عالية لها القدرة على التعامل مع آليات العصر من تقنية وتزويد هؤلاء الشباب بقيم أخلاقية ومحتوى معرفي رصين عن الثقافة المنتمين لها وهذا ما يعطينا القوة في المحافظة على أصالتنا والتقدم بخطوات واثقة نحو تحدي هذه الثورة في استخدامها وتطويعها لقيمنا الأخلاقية بما يفرضه من احترام التقانة المتقدمة واستعمالها وحماية مجتمعنا من سيطرة التقانة المتقدمة على الحضارة والثقافة، وهذه المشكلة يعاني منها حالياً المجتمع الغربي؛ وهي الظاهرة التي تعرف بسيطرة التقانة على الثقافة والحضارة ونتج عنها مشاكل اجتماعية أدت إلى التفكك الأسري وانتشار الجريمة والإدمان والانتحار.


هنا تظهر المشاريع الثقافية التي تعتمد على الخبرة في إدارتها والمعرفة والحماس في تنفيذها مطلباً ملحاً في هذه المرحلة الحساسة التي تتجه فيها المجتمعات إلى الثقافة الواحدة، فالعولمة وظاهرة الشعبوية مع اختلافها إلا أنهما يتجهان وبسرعة فائقة من خلال أدوات التواصل الاجتماعي مثلاً إلى إحكام السيطرة على المجتمعات وتذويبها في قالب واحد وهو ما يسحق الفردانية المنشودة في حياة الإنسان.

كاتبة سعودية

monaalmaliki@