-A +A
نجيب يماني
بهذا قضت أقدار السعد أن تشهد المملكة تزامناً لحدثين كبيرين؛ ذكرى البيعة السادسة لخادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان حفظه الله، واحتضان المملكة لقمة قادة مجموعة العشرين، تتويجاً لعام كامل للمجموعة تحت رئاسة المملكة.. وما بين الحدثين وشائج العطاء المنظور، وعظمة الإنجاز المسطور، فلا ينفكّان متلازمين، وكأنما كل واحد منهما مرآة للآخر، أو تجسيد له كأروع ما يكون التجسيد..

فالذكرى السادسة لتسنّم خادم الحرمين الشريفين لمقاليد الحكم في بلادي الغالية المعطاء تفتح نافذة التأمّل لهذه الأعوام التي مضت، فإذا الذاكرة محتشدة بعطاء يقلّ نظيره، وإنجاز عزيز إلا على ذوي الهمة العالية، والطموح الوثّاب.. عطاء برزت ملامحه الأولى منذ الأيام الأولى لهذا العهد الزاهر، وقد اختطت القيادة لنهجها رؤية واضحة؛ هي رؤية المملكة 2030م.. رؤية رسمت معالم الطريق، ومراقي الصعود، ومستشرفات الأمنيات.. لتشهد المملكة حراكاً نهضوياً لتنظيم كافات القطاعات، وتفعيل جميع المسارات، وفكّ عن المرأة القيود الاجتماعية البالية والاختناقات لتسهم بعطائها جنباً إلى جنب مع رصيفها الرجل، وتحرّر الاقتصاد من الارتهان لقبضة النفط، بعد أن ظل المورد الوحيد لمداخيل المملكة الاقتصادية، لتنفتح أمام اقتصادنا براحات الاستثمار المتعدد وتستفيد المملكة من كافة مواردها الطبيعية المتاحة، وتدور عجلة التنمية بالخير العميم، وتبرز في ديباجة الصناعات المميزة عبارة «صنع في السعودية» معلنة بذلك عهداً جديداً أزال عن الذاكرة الجمعية صورة المملكة المستهلكة ليستبدلها إلى حقيقة المملكة المنتجة والمصدرة.


معالم جديدة، غيّرت الكثير من المفاهيم، ووضعت المملكة حيث يجب أن تكون في مصاف الدول المتوثبات للمراقي العاليات.. وما انتماؤها لمجموعة العشرين إلا إحدى الدلائل والثمار اليانعات الدالات على مكانتها إقليمياً ودولياً..

رافق ذلك مسار آخر في هذه السنوات الست النظر في ترتيب البيت السعودي، وإعادته إلى الوسطية التي اختطفتها «الصحوة» بخطابها المخاتل في مسوح الدين، ليكون النهج الجديد قائماً على «جودة الحياة»، وتحرير العقول من «ثقافة التلغيم الآيديولوجي»، فعرف مجتمعنا الترفيه البريء المتفق مع المبادئ الدينية والقيم الحضارية والموروثات والتقاليد في أرقى صورها، دون أن يخدش ذلك حياء، أو يجاوز ثابتاً من الثوابت، فأضحت لنا الحياة نعيشها بيقين التعمير، خلافاً لفكر أراد لها الموت بالتدمير..

سنوات ست مضت، والمملكة كعهدها منافحة عن قضايا المسلمين والعرب في كل المحافل، ومتولية زمام المبادرة للذود عن الحمى العربي والإسلامي من غوائل الصفويين وأذنابهم، وهي تقود لواء التحالف من أجل استعادة الشرعية في اليمن السعيد، لتصد بذلك المشروع الإيراني الصفوي، وتوقف أحلامه الساعية نحو تسميم المنطقة بأطروحاته السقيمة.. فكانت المملكة شوكة في حلق هذا النظام، وصخرة تحطمت دونها آماله المفخخة. وما زالت المملكة نصيراً لقضية العرب في فلسطين، والسلام في السودان، والأمن لسوريا، والأمان لليبيا.. وإجمالاً ظلت المملكة حاضرة في كل الملفات العربية تعالج الخلل، وتعين على نوائب الدهر بالمساعدات التي تتدفق على كل مناطق الكوارث والصراع..

وتشاء الأقدار أن تتسنّم المملكة رئاسة مجموعة العشرين في ظل انتشار جائحة كورونا، ظرف استثنائي لم تمر به دول هذه المجموعة في تعاقب دورة الرئاسة عليها، فكانت المملكة قدر التحدي، واستطاعت أن تقدم النموذج والمثال لماهية الإدارة الواعية، والتصرف الحكيم، والمعالجة الباصرة، التي نالت الإشادة والتقريظ من كافة دول العالم، حيث كانت المملكة أول المبادرين لدعم الجهود العالمية من أجل التصدي لجائحة كورونا، والبحث عن علاج للفيروس، ومضاد يقي الإنسانية شرّه في المستقبل، وهي في دعمها لا تفرق بين الجميع في العطاء، ولا تنظر بمقياس آيديولوجي أو عقدي أو إثني، وإنما هو الواجب الإنساني في أرقى صوره، فجاء دعمها سخياً لمنظمة الصحة العالمية، فضلاً عن دعمها للدول التي شهدت انتشاراً واسعاً للفيروس، ورافق ذلك جهد علمي تمثل في مساهمة الجامعات السعودية ومراكز البحث العلمي في الجهود العالمية من أجل الحصول على عقار ناجع، وترياق شافٍ لكورونا..

جاءت رئاسة المملكة لمجموعة العشرين منفتحة على كافة المجالات الاقتصادية والبيئية والعلمية والرياضية والاجتماعية، لتقود العالم نحو بر الأمان، بما ستنتهي إليه قمة قادة العشرين من توصيات وقرارات سيكون لها أعظم الأثر وأبلغه في مستقبل عالمنا المتطوّر..

إن الإحاطة بمنجزات السنوات الست الماضية في هذه العاجلة ضرب من الاستحالة، ومجازفة لا يحتملها الإيجاز مهما بلغ من مضامين الإلهام، وإنما يكفينا الشاهد والمثل لندرك جميعاً أننا نستظل تحت عهد زاهر؛ عهد سلمان وولي عهده الأمين، به من مشاهد الرفعة ما تصبو إليه الأعناق وتشرئب، ومن مظاهر العطاء ما يبعث على مديد الثناء والإشادة، ومن منجزات الجهد ما يشحذ نوازع الهمة ويدعو للزهو والافتخار.. وما حقُّ ذلك كله إلا أن نجدد البيعة والولاء لقائد مسيرتنا خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين.. بيعة صدق ووفاء، بيعة اعتزاز وفخار، بيعة ولاء وانتماء..

وكل عام ووطنا في تقدم وازدهار، وقيادتنا في أمان وسلام.

كاتب سعودي

nyamanie@hotmail.com