-A +A
مالك عبيد
ربما ليس من قبيل المصادفة أن يلجأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لقناة الجزيرة ليخاطب العالم الإسلامي.. فعلى ما يبدو أن هناك من قدم له هذه الاستشارة أو النصيحة عن قصد أو من غير قصد، أو ربما كان مدفوعاً هو بحب جلاديه، إلا أنه لم ينتبه على ما يبدو لقاعدة إعلامية بسيطة تقول إن الوسيلة تعد عنصراً رئيسياً من عناصر أية عملية اتصال لدرجة قد تؤثر سلباً أو إيجاباً في محتوى الرسالة، والهدف المرجو منها. وبعيداً عن الخوض في نوايا المستشارين وأجنداتهم، فالرسالة ذهبت بالرئيس إلى مكان وغرض آخرين غير ما خطط له، على اعتبار أن الوسيلة المختارة هي أكثر جهة تبنت خطاب مقاطعة البضائع الفرنسية، وهي من حاولت إشعال فتيل الأزمة بشكلها الذي ظهرت به للعلن، في تصعيد عاطفي مبني على موقف متطرف يشبه كل المواقف المنفعلة التي أوقعت الجماهير الإسلامية في فخ النبذ والملاحقة والصورة النمطية المشوهة وغير الدقيقة.

من الواضح أن الرئيس ماكرون لم ينتبه لما قام به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من قبل حين استقبل ثلاثة مذيعين عرب بنفس الوقت ليحاوروه. فالأول مذيع قناة روسيا اليوم؛ أي قناته الرسمية الناطقة باللغة العربية، والإثنان الآخران يمثلان خط الاعتدال في الإعلام العربي وهما قناتا العربية وسكاي عربية. بينما ذهب ماكرون إلى تجاهل قناته الرسمية الناطقة باللغة العربية، التي أنشئت بأموال حكومية، ليكون من بين أبسط أدوارها شرح ما تتبناه الحكومة الفرنسية من سياسات أو ما تتخذه من مواقف باللغة العربية، الأمر الذي يجعلها وفقاً للطرق التقليدية، القناة الأجدر باحتضان خطاب الرئيس بطريقة سليمة تعفيه من الوقوع في فخ التفسيرات المتعددة وسوء الترجمة والتوظيف.


ماكرون سمح للجزيرة أن تمسك بالخطاب وتجعله حصرياً على شاشتها بحيث لا تستطيع أية قناة أخرى إعادة نشره أو بثه بحكم القانون.. وبالتالي أصبح ذلك الخطاب حصراً بيد من يدعو للمقاطعة والتطرف، وهي ذات الفئة التي تسعى إلى تحويل العالم الإسلامي برمته إلى مليشيات ومجاميع من قطاع الطرق والرؤوس.. وكأنه -أي الرئيس ماكرون- في ذلك وفي أفضل حالاته يذعن للابتزاز الذي حاولت قناة الجزيرة ومن تمثلهم أن يؤكدوه ويراهنوا عليه في حسم المواقف لصالحهم.

المقاطعة الفرنسية ليست إسلامية في شيء، كما أنها لا تمت بصلة للدفاع عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم.. فمحمد شخصية عظيمة تجاوزت برمزيتها أن تطال منها ألف صحيفة وقناة. وتجاوزت الاحتكار الذي تحاول بعض الأحزاب والطوائف إحاطتها به. إلا أن الزج بهذه الشخصية ورفع شعارات رفض التعدي عليها ما هو إلا محاولة لتشتيت انتباه العالم الإسلامي عن الموقف الشعبي السعودي بمقاطعة البضائع التركية بالدرجة الأولى.. بالإضافة إلى أنها حملة تهدف إلى الاستفادة من العاطفة الجماهيرية لإعادة إنتاج شخصية أردوغان كزعيم أوحد للعالم السني، وكشخصية لا تأخذها في الدفاع عن الأمة ورموزها لومة لائم!

خطاب ماكرون ذهب أدراج الرياح دون أي تأثير يذكر. وأقر من خلاله أنه شخصية قابلة للابتزاز باختياره قناة تمتهن الابتزاز وتؤلب الشعوب على نفسها وبلادهها وأنظمتها. وتتخذ من ذلك منهجاً ومخططاً يهدف إلى بلطجة العالم العربي والإسلامي وتحويله إلى قنبلة موقوتة تملك أنقرة صمام أمانها وتبتز من خلالها العالم.

كاتب سعودي

malekObied@