-A +A
رامي الخليفة العلي
وقف العالم الإسلامي غاضبا بسبب الإساءة لنبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، وما غذى ذلك التصريحات التي أدلى بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتصريحات مسؤولين آخرين، والتي صبت الزيت على النار، خصوصا أن هناك من حاول استغلالها وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والذي وجدها هدية نزلت من السماء للتغطية على الخلافات العميقة من الناحية الاستراتيجية التي عصفت بعلاقات بلاده مع الجانب الفرنسي، وهو لم يعبأ أبدا بالجالية الإسلامية وبما يمكن أن تنعكس عليها من آثار سلبية تلك الحرب الدينية التي أراد إشعالها.

منذ اللحظة الأولى سعت الأطراف الخيرة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية إلى التمييز بين الدين الإسلامي الحنيف وبين الإرهاب الذي تأذت منه الدول الإسلامية قبل غيرها، كما أبدت المملكة تفهمها لمفهوم حرية التعبير ودعت إلى احترامه بما يضمن احترام مقدسات الديانات الأخرى، وكان بيان وزارة الخارجية السعودية كافيا في هذا الإطار.


بعد البيان السعودي وتحركات دبلوماسية قامت بها المملكة ودول إسلامية أخرى، عمد الجانب الفرنسي إلى جملة من التحركات لشرح موقف باريس الحقيقي الذي يميز بين الإسلام والإرهاب ويعلن عدم دعمه لأي رسوم مسيئة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

إلا أن الجانب الفرنسي عبر عن رغبته اتخاذ إجراءات في الداخل الفرنسي تكفل الوقوف بوجه الجماعات المتطرفة وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وأخواتها من الجماعات التي تنشط على التراب الفرنسي، وكما تحدث الرئيس الفرنسي ماكرون في الثاني من شهر أكتوبر الماضي فإن الحكومة الفرنسية سوف تراقب عمل الجمعيات التابعة للجماعة الإرهابية وسوف تغلق الجمعيات التي لا تحترم القوانين الفرنسية وسوف تراقب التمويل الخارجي (في إشارة ضمنية إلى ذلك القادم من الدوحة وأنقرة)، وهنا مربط الفرس والكارثة بالنسبة للجماعة الإرهابية ومن يقف وراءها، لذلك ثارت ثائرة الجماعة وراحت تعمد إلى تصوير فرنسا بأبشع صورة، بالرغم من أن فرنسا هذه هي التي مكنت الجماعة من التحرك بحرية طوال عقود ماضية، وحرية التعبير التي تهاجمها الجماعة ومن لف لفيفها هي التي سمحت للجماعة بمحاولة وضع يدها على الجالية الإسلامية في فرنسا وفي أوروبا عامة.

التصريحات التي قالها مسؤولون فرنسيون جانبت الصواب عندما تحدثت عن الإسلام والمسلمين بعمومية، وساهمت بتشويش الموقف الفرنسي، كما أن المعالجة اللاحقة من قبل الرئيس الفرنسي وحكومته ارتكبت الكثير من الأخطاء لم يكن آخرها اختيار الرئيس الفرنسي للمنبر الذي يتوجه من خلاله للعالم الإسلامي، والذي يوصف بأنه منبر لجماعات الإسلام السياسي التي تريد فرنسا مجابهتها، ومع كل ذلك فإن المواجهة ليست بين فرنسا والإسلام ولكن بين فرنسا والجماعات الراديكالية المتطرفة.

وهذا ما أثار غضب الداعمين لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية والتي وصلت إلى حد الجنون لدى البعض، مثل رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد الذي اعتبر أن للمسلمين الحق بارتكاب مجزرة بحق ملايين الفرنسيين... إنه الجنون بعينه.

باحث سياسي

ramialkhalife@