-A +A
صدقة يحيى فاضل
معروف أن مجموعة العشرين هي في الأساس مجموعة اقتصادية مالية، تضم أهم اقتصادات عالم اليوم. فقد تأسست عام 1999م، لتضم «مجموعة السبعة» الكبار(G7)، وأهم الدول ذات الاقتصادات الأكبر الأخرى. وتحاول هذه المجموعة الآن ألا يقتصر اهتمامها واختصاصاتها على المال والاقتصاد وحل مشاكله، وحسب، بسبب «ترابط» المجال الاقتصادي مع المجالات السياسية والاجتماعية والأمنية، ترابطا يصعب تجاهله. لذلك، امتد اهتمامها للمجالات غير الاقتصادية الأصل، ومنها: التعليم والصحة والتنمية، إضافة إلى حقوق الإنسان، الموضوع السياسي الاجتماعي بالغ الأهمية، في عصرنا الحاضر.

ومعروف، أن حقوق الإنسان تتجسد في مبادئ وقيم، يقدرها ويحترمها غالبية البشر، في كل زمان ومكان، وفي مقدمة هذه المبادئ: الحرية والعدالة والمساواة، والديمقراطية (الشورى) والتكافل الاجتماعي.. أو ما يسمى بـ«المبادئ الخمسة المبجلة» عالميا وإنسانيـا (Universally- Appreciated Principles). ومعروف أن التمسك بهذه المبادئ، والالتزام بتبنيها وتطبيقها، يضفي على الطرف الملتزم، أو الدولة المتمسكة، قوة ناعمة كبيرة التأثير. وللقوة الناعمة لأي دولة، تأثير سياسي كاسح..... يضارع في بعض الحالات أثر وتأثير القوة الخشنة.


ولا تكتمل قوة أي دولة، ويستتب وضعها واحترامها، على الساحة الدولية إلا بامتلاك قدر (معقول) من «القوة»، بشقيها المادي والمعنوي، وبعناصرها المختلفة، وخاصة عنصر القوة الناعمة الأهم وهو التمسك بالعقائد والقيم والمبادئ السامية، التي تخدم الإنسان، وتحقق غاياته، وتجعل حياته أسهل وأكرم.

****

إن لكل مجتمع «خصوصية» معينة، بل إن لكل فرد -في أي مكان وزمان- خصوصية معينة خاصة به وحده. ومع ذلك، فإن هناك قيماً عامة... تجمع فيما بين البشر الأسوياء. ويقال إن هذه القيم هي من أنبل ما يجمع بين بني البشر، إضافة إلى أن تطبيقها يعتبر حاجة أساسية وملحة، لحياة عامة سعيدة، ونقية. ويلاحظ أن الأديان قاطبة تحض على التمسك بمضمون هذه المبادئ، رغم اختلاف «تفاصيل» هذا التمسك الملزم، والمطلوب، دينا، وعرفا. وهناك اتفاق على «جوهر» ومضمون كل من هذه المبادئ، ولكن الاختلاف ينصب على تفاصيل كل مبدأ، من طرف لآخر.

****

تعتبر هذه المبادئ الآن أهم حقوق الانسان. وهذه المبادئ تنبثق منها وعنها العديد من القيم، ويتفرع عنها الكثير من المبادئ المتعلقة بالإنسان وحقوقه وواجباته. فعن مبدأ الحرية تتفرع -على سبيل المثال- حرية التعبير، حرية الصحافة... إلخ. وهكذا.

لقد أصبح على الدول والأطراف التي تريد حقا حماية وتنمية «قوتها»، أن تحمي وتنمي قوتها الصلبة، والناعمة كذلك، وتحرص على تطبيق هذه المبادئ. فكلما تمسكت الدولة بجوهر هذه المبادئ، كلما زاد احترامها وتقديرها من قبل الآخرين. والعكس صحيح. وتعتبر الشعوب التي تقيم دساتيرها على هذه المبادئ وتلتزم بمضمونها بالفعل، شعوبا مستنيرة، وناجحة، وتتمتع بدرجة مرتفعة -نسبيا- من السعادة العامة. ولإدراك أهمية هذه المبادئ، لنتخيل وضع الإنسان في غيابها.

****

وانطلاقا من هذه الحقائق، يأتي اهتمام مجموعة العشرين بمبادئ حقوق الإنسان، وخاصة مبدئي الحرية والمساواة. ويحظى مبدأ المساواة باهتمام أكبر، بعد ربطه بضرورة توفر الرخاء المادي في المجتمع الدولي. فالتنمية الاقتصادية السليمة يمكن أن تحقق شيئا من الرخاء الذي يعم، لينال الجميع من ثماره. الأمر الذي يسهم في دعم الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي. ويبدو أن هذه المنظمة العالمية تؤكد أن التمسك بهذه المبادئ/‏ الحقوق، وما يتفرع عنها، وحسن تطبيقها، يعنى تطبيق أهم مبادئ حقوق الإنسان. كما أنه -في ذات الوقت- ييسر الحياة العامة، ويدعم ازدهارها ويسمو بها.

لقد أصبح العالم (ممثلا بمنظمات وجمعيات متخصصة) يراقب، أكثر من أي وقت مضى، مدى التزام الدول المختلفة بحقوق الإنسان. ويسارع بكشف أغلب الانتهاكات، ويشجب مرتكبيها. وأخذت وزارات الخارجية بدول مجموعة العشرين، وبمعظم دول العالم، تولي مسألة حقوق الإنسان، داخل بلدانها وخارجها، الاهتمام، وتنشئ أقساما إدارية في هذه الوزارات لهذا الغرض.

****

مجموعة العشرين ما زالت منظمة ناشئة، وما زال الوقت مبكرا، في الواقع، للحكم على «أداء» هذه المنظمة، ودورها في جوانب اختصاصها الرئيس.

كاتب سعودي

sfadil50@hotmail.com