-A +A
محمد الساعد
الهبة الشعبية العفوية التي قام بها السعوديون تجاه البضائع التركية ليست مقاطعة مع بضعة أصناف من البسكويت والأجبان وحلاوة الحلقوم الشهيرة، بل هي قطيعة ثقافية مع دولة استعمارية لا تزال ذاكرة السعوديين تحمل ذكريات سيئة معها، ولا يزال الكثيرون يتداولون القصص وحكايات الآلام التي عاشها أجدادهم، لقد واجه أبناء الدول السعودية الثلاثة تاريخاً دموياً ومجازر تركية مروعة لا يمكن قبولها ولا تجاوزها.

يمارس السياسي التركي اليوم ما كان يفعله أجداده بالأمس، عندما شوهوا الدعوة الإصلاحية وحرضوا ضد الدولة السعودية الأولى وسيروا الجيوش لحربها، ثم دمروها وقتلوا أئمتها وعلماءها واستباحوا عاصمتها الدرعية.


لا مبرر يسمح بهذا الوجه المعادي السافر للسعوديين إلا أن الأتراك يرون فيها خصماً أبدياً يقف ضد مشاريعهم الاستعمارية في الإقليم ويريدون إزاحتهم من طريقهم بأي ثمن.

وكما كانت الدولة السعودية الأولى رائدة في عصرها وشعلة عصر النهضة العربية ولديها مشروعها السياسي والديني والاجتماعي، وكما كانت علامة فارقة في التاريخ السياسي للجزيرة العربية والمنطقة بأسرها، فقد استمر هذا التراث والأدبيات مع الدولتين الثانية والثالثة، ورفض قادتها وملوكها التخلي عن دورهم وقدر بلادهم مهما كانت الكلفة فقد بذلوا أرواحهم وأرواح أحبتهم ثمناً غالياً ولم يتخلوا عما يؤمنون به.

لقد تحولت إسطنبول إلى عاصمة للعداء ومركز دولي تحاك فيه المؤامرات وماخور للتنظيمات المعادية للسعودية، وخصصت القيادة التركية مجموعة أسمتها بمجموعة «البجع» يرأسها مقربون مباشرون من أردوغان ومقرها مكتب الرئيس، مهمتها اليومية العمل على تحطيم وتشويه المملكة والاستفادة من أي ظرف لتفتيت مكانتها في العالم.

عداء تركي سافر وانخراط في مشاريع تهدد السعودية وتآمر ضد القيادة واستضافة للهاربين وتوفير الملاذ والدعم لأعمالهم، ليس أولها السماح لهم بالعمل والتنظيم والحشد بدءاً من مؤتمر منظمة «مظلوم دار» التركية لحقوق الإنسان في إسطنبول بتاريخ 15/‏12/‏2013 م، وليس آخرها توظيف وسائل الإعلام والمنصات التركية لرجيع «الربيع العربي» من الدول العربية الذين تستضيفهم تركيا للاعتداء على الرياض والتحريض ضد قيادتها.

فضلاً عن محاولة تفتيت مكانة السعودية العربية والإسلامية والدولية والدعوة لبناء منظمات إسلامية موازية للمنظمات التي أسستها المملكة وتقسيم العالم الإسلامي للحصول على مكاسب ضيقة.

لقد تجاوزت أنقرة في علاقاتها مع الرياض الخطوط الحمراء، وعبرت حاجز التنافس السياسي في الإقليم إلى مرحلة أكثر خطورة، في محاولة للقضاء على الدولة السعودية والحلول مكانها، واختطاف سيادتها وإدارتها الحرمين الشريفين وإلغاء دورها في العالم العربي والإسلامي.

السعوديون بقطيعتهم مع «العثمانيين الجدد» يرسلون رسالة للعالم أجمع بانهم محاربون أشداء من أجل وطنهم ومكتسباته ومكانته، ويوجهون رسائل خاصة للأتراك يطالبون أولاً باعتذار واضح على جرائم أسلافهم العثمانيين في حق الدولة السعودية الأولى واغتيال أئمتها وقادتها وارتكاب المذابح في حق شيوخ الدعوة، إضافة إلى الاستبداد والمظالم التي ارتكبها المستعمر «التركي» في حق أهالي الحرمين الشريفين وعسير والأحساء والباحة ونجد، ومن ثم تعويض عادل لأسر السكان الذين فرضت عليهم الضرائب والرسوم والاستيلاء بقوة السلاح على أموال المزارعين الفقراء، وكذلك تعويض الذين تم ترحيلهم قسرياً إلى تركيا وألبانيا وبلغاريا دون شفقة ولا رحمة، وإعادة المسروقات والنفائس والهدايا التي سلبها المستعمر العثماني من الحجرة النبوية الشريفة.

اليوم ينتقل المواطن السعودي من ضفة الانتظار والصبر والتغافل مع أعداء بلاده إلى ضفة الممارسة المدنية والمواجهة ضد كل من يتجاوز ويعادي وطنه، ويوظف دوره في القطيعة مع الإرث التركي كاملاً -ثقافياً وفنياً وسياحياً واقتصادياً-، إنها رسالة للجميع تقول بشكل واضح: لقد صمدت هذه البلاد طوال ثلاثة قرون في وجه الظروف الصعبة والأعداء غير الشرفاء بالتفاف شعبي مع قيادته، وأن المواطن السعودي لن يفرط في وطنه من أجل بقلاوة أردوغان ولا لبنة اقطاي.

كاتب سعودي

massaaed@