-A +A
فؤاد مصطفى عزب
من يريد أن يعرف التاريخ الحقيقي لمساوئ الدولة العثمانية، وما ارتكبته من عنف وسفك للدماء، وإبادة للشعوب بهدف الاستيلاء على الدول ونهب ثرواتها، من يريد أن يعرف عن تلك الأيام التي كان يستحم الطغاة في الدم الطازج من أعناق البشر، ويزرعون السياط في اللحم، ويتسكعون كالوحوش بين الأسنان المحطمة، ويجعلون «الأرمن» يركعون على سجادة من مسامير، بأصابع مرتعشة، فليشاهد فيلم «من قتل الأرمن؟» فيلم من إخراج وإنتاج المبدع المصري «محمد حنفي نصر» والإعلامية «مريم زكي» ولقد نال هذا الفيلم على وسام الأدب والفنون من الدرجة الأولى، من رئيس جمهورية «أرمينيا» أخذ تحضير الفيلم مجهوداً كبيراً جداً، حيث إنها المرة الأولى التي يفتح ملف هذه المذبحة، من قبل الإعلام العربي، تم تصوير الفيلم في أكثر من مكان منها لبنان ومصر وأرمينيا، في هذا الفيلم المدجج بالوثائق التاريخية، تمكن المخرج من رصد تقارير ثرية من السفارات الأجنبية، وكذلك استطاع، الحصول على مذكرات بعض أعضاء الحكومة التركية، والتي تثبت باليوم والتاريخ، الأوامر الصادرة بإبادة «الأرمن»، وقتلهم في الطرقات والمنازل ودور العبادة، والاستيلاء على ممتلكاتهم، وإبادة الإرث الثقافي لهم، وبأوامر حكومية موثقة، تستمع إلى شهادات بعض الناجين كشهود عيان على تلك المجزرة والتي كانت في عام 1915م، فتشعر أن بعض الدم يصب في حضنك، واحة نخيلها ألم بعناقيد أولئك الشهود، الفيلم يحاول أن يصحح مفاهيم بعض الأذهان من العامة عن حقيقة تلك الغزوات البربرية، وأن مرور 100 عام على تلك المذبحة، والتي راح ضحيتها ما بين مليون ومليون ونصف إنسان، يجب أن لا يفلت مسؤولوها من العدالة، وأن تتحمل أجيالها تبعية جريمة الأجداد، وإيقاف تزييف وتزوير التاريخ، والنظر إلى محاولات «أردوغان» التوسعية، والتي كانت معظمها تنتهي بالفشل، على أنها قتال كلاب من أجل عظمة، بل على أنها كتائب جريحة، تشتم الهواء المحترق بالدم اليابس من الأنف، تحمل وثيقة مزورة في يد وفي اليد الأخرى، مجذاف صالح لأي نهر، فالبحث عن البقرة الحلوب، حتى ولو كانت في حظيرة مسورة بالجماجم، هي التي قادت «أردوغان» في الواقع لدخول «ليبيا» وأشبه ذلك الدخول بدخول خلية نمل بحجم «نيويورك»، ودخول «أردوغان» إلى «ليبيا» لا يختلف كثيراً عن دخول الهنود الحمر «الكتراز» تلك الجزيرة الصغيرة في خليج «سان فرانسيسكو» والتي أحيلت إلى سجن مشهور بمناعته، فقد حاول عدد من الجنود الحمر الأمريكان بقيادة الزعيم «دينيس بانكس» في سنة 1969م أن يستوطنوها بعد إغلاق السجن، حيث يمكنهم أن يعيشوا كما يريدون طبقاً للشعائر الأصلية التي يؤمنون بها، لكن الحكومة الأمريكية طردتهم وبالقوة الجبرية، وبررت وسائل الإعلام في ذلك الحين أن ما فعله «دينيس بانكس» كان البحث عن ظهور إعلامي، بعد أن خفت الأضواء من حوله، المشكلة الحقيقية أن هذا الرجل «أردوغان» أصبح كالدجاجة المذبوحة التي تبحث عن رأسها في الظلام، أصبح تائها في خضم المصائب الداخلية التي تراكمت عليه وعجز عن حلها، وللأسف أن كل خروف يتوه عن القطيع يتحول ذئباً، و«أردوغان» بعنجهيته المواربة، أنقلب حتى على شلته، أو شلته انقلبت عليه، بحيث أصبح مثل الحيوان الذي يهرب من مروضه، وهو من البداية جاهل سبب المطاردة، وبالتالي أصبح المناضل، يفعل أي شيء ليبرر وجوده وحضوره، وأصبح يعيش في قاع نهر مليء بالبنادق وبراميل البارود، مع جمجمة مليئة برمال تهذي، بأمجاد أجداد لاهثين نحو مجد واهم، ممتطين خيولاً نائمة يغطيها الزبد، يحملون خناجر تحن إلى صرعات، صرعات كصرعات ستائر في نافذة آخر بيت في الأرض يطل على ألا شيء، وفي تقديري، أن ما يحدث في «تركيا» ومن «تركيا» هو نتاج طبيعي، لـ«جماعة الإخوان المسلمين» الإرهابية وأيدلوجياتهم، حيث أحكموا واستولوا على مركز القرار في «أنقرة» وجعلوها قاعدة انطلاق لتحقيق أهدافهم في المنطقة، وفرضاً لوضعية خاصة تجاه الغير للتعامل معهم من هذا المنظور، وما أستطيع أن أقوله بعد أن ظهرت تحرشات، «أنقرة» «بأرمينيا» جلية من جديد، أن على مرسي أنقرة أن يتذكر الدرس، وأن التغيرات آتية لا ريب فيها، خصوصاً وهو يهدر مقدرات شعب له تاريخ وحضارة، في عشوائية سياسية يحكمها ضيق الأفق ويخيم عليها عنجهية الاستعلاء والاستخفاف..!!

كاتب سعودي


Fouad5azab@gmail.com