-A +A
فؤاد مصطفى عزب
«روب روجرز» رسام كاريكاتير أمريكي، انضم إلى «بيتسبرج بوست جازيت» عام ١٩٨٣، ليكون رسام كاريكاتير الرأي، أو الكاريكاتير السياسي للصحيفة، منذ ذلك الحين، ورسوماته على مدى السنوات الماضية علامة مميزة لدى المجتمع الأمريكي، وعشاق الكاريكاتير من أمثالي، كان «روب روجرز» يمنح القارئ برسوماته صفحات بيضاء من الأحلام والابتسامة، تتأمل ما يرسم فتنتابك الدهشة من جرأة فض أختام محظورات سلطوية نفعية للقمع والقهر السياسي، كان ينقر كل أسبوع على نافذة الأمريكان مغردا، ويمرق تاركا خيط الشمس على عيونهم، أحيانا يغمرك تفاؤل غامض وطاقة حياة بمجرد أن تنظر إلى رسوماته، كانت رسوماته تعيش وتنمو في قلوب الأمريكان، تروي روعة البوح المرسوم من خلال ريشة وفكر، لرسوماته بهاء وكبرياء، كان الكاريكاتير منه أبلغ من ستين مقالا، عالم مختلف، وورشة فن مسلحة بكل ما لذ وطاب من فنون القتال، كل الأسلحة تطلق صيحات الحرية والعدالة والمساواة ونبذ العنصرية وحرية الكلمة والفكر، كان كمن يحاول أن يفتح كل الزنازين بريشته، كانت كل لوحة كاريكاتورية منه تمنح القارئ الإحساس بأن المدينة الفاضلة تسكنه، وأن فن الكاريكاتير يستطيع انتزاع السلام من مخالب الحياة، وأن المحبة والدعوة للسلام ومنح الحق للعيش الكريم للجميع هي الكنز والسلاح، كانت يد «روب روجرز» تمسك بالريشة، يغمسها في الحبر الأسود ويصوغ بها أشكالاً ترمز إلى جماليات ومبادئ وعقائد فكرية تصل أحيانا إلى مستوى القصيد لشاعر غير نمطي، تتخيله وهو يرسم كأنه مايسترو في حفل موسيقي، تتساءل وهو يتمايل أمامك من أين يأتي بكل تلك المقامات؟ هذا الرسام تم فصله وإبعاده عن الصحيفة مؤخرا، وذلك بسبب رسوماته المنتقدة والساخرة «لدونلد ترامب»، ولقد حاولت الصحيفة مع «روب روجرز» أن يخفف ويتراجع عن انتقاداته الشخصية أو يتوقف عن تناول ترامب بشكل ساخر، إلا أن روجرز لم يتراجع عن اختياراته الشخصية ومواقفه اللاذعة للرئيس الأمريكي، ومن ثم تم فصله، قرار فصله أثار زوبعة لدى الجمعيات الحقوقية والمهتمين والمراقبين، إلا أن الصحيفة وتحت الضغوط العالية من ترامب وتياره لم تتراجع عن موقفها، وخسرت الصحافة الأمريكية أحد أعظم رسامي الكاريكاتير، واختفى «روب روجرز» واختفت رسوماته، وخسر محبوه رسائله الكاريكاتيرية الجميلة نتيجة تعنته واعتزازه بموقفه وأن التحكم في إنتاجه الفني هو اجتزاز من كرامته، وما حدث «لروب روجرز» هو أحد مواقف الإنسان الراديكالية والتعنتية في الحياة والذي هو عكس اعتقادي، فأنا من المؤمنين بأن تساير الحياة ما دُمت لن تغير منها، غن لها إذا ما ابتسمت، وابك معها طالما عجزت عن مسح دمعها، ولا تحاول فهمها كثيراً وإلا سخرت منك، فهي لا تعلمك إلا لتزيدك جهلا، فكلما نضوت سرا واجهتك أسرار أخرى، فما تلبث أن تضل في درب طريقك، لقد خلقنا لنحياها لا لسبر غورها، فابق في الشمس، ولا تلج الجحور، كن كالطير، لا تسأل لم بكت أو غنت، وحسبها أن تلتقط الفرحة من غمر الألم، حتقولوا جبان! معليه جبان! ولا قلنا له يعقل.. ما سمع!

كاتب سعودي


Fouad5azab@gmail.com