-A +A
محمد مفتي
الرسالة التي وجهها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمنسوبي هيئة الرقابة مثمناً جهودهم ومثنياً على مثابرتهم الدؤوب، ليست بالأمر الغريب أو غير المتوقع، فهذه الهيئة تمثل في جوهرها عمق العملية الإصلاحية الجسورة التي يقوم بها ولي العهد، وهي الظهير الرقابي لرؤيته الطموح التي تستهدف تسريع وتيرة التنمية بالمملكة والانتهاء من إرساء معالم ومقومات التطور فيها خلال عقد واحد من الزمن.

رسالة الأمير لفرسان الهيئة تأتي تأكيداً على ما سبق أن وعد به المجتمع، بأنه لن ينجو كائن من كان في قضية فساد، كما أنها تأتي لترسيخ ملامح دولة القانون التي لا مكان فيها للفساد والمفسدين، ومن المؤكد أن سجل إنجازات الهيئة خلال الفترة الماضية لم يعد أمراً مشكوكاً فيه، كما أثبتت الكثير من الوقائع قوة وصدق الشعارات التي تتبناها الهيئة، والتي تحولت لواقع ملموس يشهده الجميع، خاصة بعد إعادة تشكيلها ودمج جهاز المباحث الإدارية بها، وقد دفعت هذه الإنجازات المتلاحقة التي حققتها الهيئة العديد من المواطنين الغيورين للتبليغ عن حالات الفساد التي يصادفونها.


لا شك لدينا في أن مكافحة الفساد -رغم أهميتها البالغة- ليست أحد ملامح الإصلاح والتطوير المنفردة التي دشنها ولي العهد حفظه الله، بل هي جزء لا يتجزأ من عملية إصلاح شاملة لكافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالمملكة، فمكافحة الفساد وحدها لا تكفي لو لم تقترن بها عملية تطوير وإحلال بديلة، فالأموال المصادرة من الفاسدين على سبيل المثال يتم توظيفها ودمجها في عملية الإصلاح الاقتصادي لتتحول إلى استثمارات عملاقة تعود بالنفع المباشر على الصعيد الاقتصادي للدولة.

أضف إلى ذلك أن القضاء على الفساد المالي ستكون له آثار اجتماعية مباشرة على معدلات البطالة ورفع الكفاءات الوظيفية وزيادة معدلات الانتماء الوظيفي داخل مؤسسات الدولة، ومن هنا نفهم رسالة الثناء الحارة التي وجهها ولي العهد لفرسان الهيئة، ليس باعتبارهم رجال هيئة الرقابة المالية والمتصدين للفساد فحسب، بل باعتبارهم جنوداً في الجيش الوطنى المدني للمملكة، ممن يرفعون دعائمه وأركانه على أكتافهم، ويحملون مشاعل تنويره وتطويره.

تتزامن هذه الأيام ذكرى اليوم الوطني للمملكة مع رسائل ولي العهد الحماسية لجميع منسوبي هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، لتلقي الضوء على الملامح الجديدة المشرقة لوجه المملكة التي عاصرت مؤخراً العديد من الأحداث والتطورات الإيجابية المتلاحقة، التي رسمت جميعها معالم المستقبل المتوقع والمشرق للمملكة، عقب منح النساء الكثير من حقوقهن، والتي لم تكن تعدو أكثر من مجرد أحلام وأمنيات يتعذر تحقيقها، وهي لم تبدأ بمجرد السماح لهن بالقيادة فحسب، أو تنتهي بمجرد تعيينهن بالعديد من المناصب القيادية والريادية فقط، بل تضمن رؤية طموحة لواقع ومستقبل المرأة السعودية، مستمدة من عدالة ورحمة شرائع ديننا الحنيف، وبعيداً عن التقاليد المجتمعية التي وصل الأمر ببعضها لاعتبارها تشريعات لا يمكن تغييرها أبداً.

المتتبع لمسيرة التطوير في المملكة ستصادفه العديد من التطورات على أكثر من صعيد داخلي وخارجي بخلاف قضايا المرأة، منها على سبيل المثال -وليس الحصر- سياسة الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي، فمن السعي الجاد للتوقف عن «إدمان» النفط الذي كان يعتبر في وقت من الأوقات المصدر الرئيسي لإيرادات الدولة، لتفعيل هيئة الترفيه وفتح أبواب المملكة على مصراعيها أمام الاستثمارات المحلية والإقليمية والدولية، بالتزامن مع اتخاذ الخطوات الحاسمة واللازمة لإيقاف التمدد الإيراني في المنطقة وتأمين حدود المملكة جنوباً بالتصدي للاعتداءات الحوثية المتكررة، اكتسبت المملكة مكانة جديدة ومتميزة بين دول العالم قاطبة.

لا يساورنا أدنى شك في أن طموحات الأمير الشاب تمثل خططاً طموحة شاملة ومتكاملة تهدف لتحديث دولة وأمة بأكملها، كما أنها برامج عمل مفصلة ترمي لتسريع وتيرة عملية الإصلاح الشاملة، التي تشمل جميع جوانب المجتمع على المديين القريب والبعيد معاً، ومن غير الممكن تقييم عملية الإصلاح والتحديث دون النظر للسياق العام الذي يحكمها، فهي تتبلور في ظل اشتداد الأخطار الخارجية الإقليمية التي تحيط بالمملكة وتسعى بجهد حثيث لعرقلة عملية الإصلاح الشاملة بها، كما أنها تواجَه من قبل بعض المأجورين ببعض الحملات المشبوهة الناقمة على كل إنجاز والرافضة لأي تغيير، غير أن مسيرة التنمية تسير بخطى ثابتة للإمام بفضل الله عز وجل ثم بفضل الجهود الحكيمة لقيادة المملكة وكنتيجة لتنامي حس الإخلاص الوطني من قبل المواطنين.

كاتب سعودي

Prof_Mufti@

dr.mufti@acctecon.com