-A +A
هاني الظاهري
«بيض الله وجيهكم، وانقلوا شكري لكل فرد من منسوبي جهازكم، وهم اليوم فرسان هذه المعركة الشرسة ضد الفساد لاستئصاله من وطننا الغالي علينا جميعاً».. بهذه الكلمات علق عراب رؤية 2030 سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أوسمة رفيعة على صدور منسوبي هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في رسالة وجهها إلى رئيس الهيئة مازن الكهموس قبل أيام، وهي بلا شك أوسمة مستحقة نظير الجهود التي يبذلها فرسان هذا الجهاز لتنظيف البلاد من الفساد والفاسدين وحماية المال العام من كل من تسول له نفسه خيانة الأمانة التي وضعها وطنه بين يديه.

جاء في آخر بيان أصدرته الهيئة أمس الأول أنها باشرت خلال الفترة الماضية 277 قضية فساد جنائية شملت (الرشوة، والتزوير، واستغلال نفوذ الوظيفة العامة، واستغلال العقود الحكومية للمصلحة الشخصية، واختلاس المال العام، وغسل الأموال)، ومن ضمن هذه القضايا قضية لافتة تخص عدداً من موظفي البلديات أحدهم متعاقد (بالواسطة) براتب لا يتجاوز 7 آلاف ريال ويمتلك 30 عقاراً استثمر 20 مليون ريال فيها وحقق أرباحاً بقيمة 6 ملايين ريال ثم وُجد في منزله مبلغ نقدي يتجاوز ميلوني ريال كاش!


المنطق والرياضيات يقولان: لجمع مليون ريال فقط يحتاج الموظف الذي راتبه 7 آلاف ويدخر منه 3 آلاف نحو 28 سنة، أي ما يقارب خدمة وظيفية كاملة في وظيفة رسمية حتى التقاعد.

أما لجمع 20 مليون ريال فيحتاج الموظف نفسه لنحو 557 سنة ميلادية، وهذه ليست مزحة أو مبالغة أو «جدعنة مني»، بل هي الحقيقة الصادمة، ويمكن التأكد منها بإجراء حسبة بسيطة.

والسؤال الذي ينبغي طرحه هنا كم موظف بيننا بمثل هذا الراتب أو بضعفه مرة ومرتين وثلاثاً وفي الوقت ذاته يمتلك عقارات بالملايين دون أن يكون وارثاً أو صاحب تجارة، وأليس هذا كافياً لضبطه والتحقيق معه لمعرفة مصدر هذه الثروة؟!

إن تورم الحسابات البنكية أو المحافظ العقارية لموظفي القطاع العام مهما علت مراتبهم الوظيفية ليست ظاهرة طبيعية يمكن التغاضي عنها بل مسألة تستوجب استيقافهم وطرح سؤال «من أين لك هذا؟» على كل واحد منهم دون انتظار بلاغ من فاعل خير أو تقرير من مراقب مالي، فالمال العام حق للدولة تصرفه على مواطنيها، وعندما تمتد إليه يد موظف فاسد فهي تمتد إلى استحقاق كل مواطن في هذا الوطن، ولذلك أعتقد أن الوقت قد حان لإقرار نظام يلزم جميع موظفي القطاع العام بجميع مراتبهم بتقديم كشوفات سنوية مفصلة للذمة المالية، وبالطبع لن يُغضب هذا النظام إلا الفاسدين أو من يخططون للتربح من الوظيفة العامة، أما الباحثون عن رزقهم وخدمة وطنهم فسيسعدون به لأنهم يعلمون أنه سوف يعود بالخير عليهم وعلى وطنهم وعلى الأجيال القادمة.

ختاماً.. تحية كبيرة لفرسان معركة مكافحة الفساد في هذا الوطن العظيم فنحن جميعاً مدينون لهم، ولن نوفيهم حقهم مهما كتبنا أو تحدثنا، ولا نملك إلا أن نقول لهم كما قال عراب رؤيتنا: «بيض الله وجيهكم».

كاتب سعودي

Hani_DH@