-A +A
محمد مفتي
بصفة عامة يمكن تقسيم العلاقات العربية الإسرائيلية إلى علاقات خاصة بدول المواجهة وأخرى خاصة بالدول المحايدة، فدول المواجهة هي الدول التي لها حدود مباشرة مع إسرائيل أو قريبة منها، أما الدول العربية المحايدة فهي الدول التي لم تنخرط في صراعات عسكرية مباشرة مع إسرائيل، وقد وقّعت بعض دول المواجهة اتفاقيات سلام مع إسرائيل انطلاقاً من حرصها على أمنها القومي في المقام الأول والأخير، في حين ظل البعض الآخر متردداً في عقد علاقات معها، ليبقى الصراع متجدداً بينها وبين الدولة العبرية.

لا شك أن أكثر دولة عربية تنتمي لدول المواجهة، وكانت ولا تزال في صراع مع إسرائيل هي لبنان، ولعل السبب المباشر في ذلك هو تدخل بعض القوى في المعادلة السياسية اللبنانية التي ترفض جملة وتفصيلاً إقامة أية علاقات مع إسرائيل، التي تحتفظ بمساحة محدودة من أراضي لبنان (مزارع شبعا) والتي لا تتجاوز مساحتها بضعة كيلومترات مربعة.


لعل أخطر القوى السياسية اللبنانية التي نفخت في نيران الأزمة بين لبنان وإسرائيل هى حزب الله، والذي أصم آذان العرب بشعارات التحرير على مدار عقود، غير أنه لم يقم بتحرير أي جزء من الأراضي المحتلة فعلياً، وقد اعتمدت سياسة التحرير التي تبناها حزب الله على مبدأ الكر والفر، وهو مبدأ يصعب تطبيقه في ظل مواجهة مع دولة أقوى منه عسكرياً، وهي حقيقة يجب الاعتراف بها، شاء من شاء وأبى من أبى.

لا أبالغ إذا قلت إن خسائر الشعب اللبناني -بل والسوري خلال السنوات الأخيرة- بسبب سياسة حزب الله كانت فادحة (رغم عدالة القضية اللبنانية فيما يتعلق بحقها المكتسب في هذه المزارع) لكن الحزب لم يبالِ بتلك الخسائر، وسبب ذلك أن استمرار وجود صراعات بينه وبين الدولة العبرية هو لب وجوده؛ وباختفائها سيختفي من الوجود، فإسرائيل دولة معترف بها من قبل الأمم المتحدة رغم وجود قضايا معلقة بينها وبين العرب فيما يتعلق بقضية القدس والضفة الغربية والجولان ومزارع شبعا.

تدرك السلطة الفلسطينية تماماً هذه الحقيقة رغم كونها مؤلمة، وهو ما دفعها لتوقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 مع إسرائيل، ولو أن السلطة الفلسطينية وبعض الدول العربية أدركوا هذه الحقيقة مبكراً لكانت الأوضاع أفضل مما هي عليه الآن، لكن المشكلة الحقيقية التي أضرت بالقضية الفلسطينية هي قضية المزايدة الرسمية والشعبوية.

الهجمات الانتحارية التي يقوم بها حزب الله على الحدود اللبنانية الإسرائيلية قد تبدو بطولية من وجهة نظره، لكنها تدفع الجانب الآخر إلى ارتكاب حماقات لا تقل شراستها عما يقوم به الحزب نفسه، وللأسف يدفع اللبنانيون دماءهم ثمناً لها، وهو الشعب الذي عانى الأمرين من ويلات الحرب الأهلية التي ساهمت بعض الدول المجاورة في تأجيجها كسوريا، وذلك لبسط سيطرتها السياسية على لبنان، ومن المؤكد أن تلك الهجمات ليست سوى أداة تعبوية، الهدف منها تلميع أيديولوجية الحزب الزائفة أمام العالم.

لقد تبنت إسرائيل -لدرء الهجمات عن حدودها- سياسة العنف المفرط، والذي تمخض عنه اجتياحها للبنان في ثمانينات القرن الماضي، وهي حقيقة لا يخفيها زعماء إسرائيل، وأذكر أنني شاهدت على قناة BBC عام 1998 تقريراً عن الصراع العربي الإسرائيلي صرح إريال شارون خلاله بمشاركته كقائد عسكري في هجوم على إحدى القرى العربية، وتلقى بعده اتصالاً من الرئيس بن جوريون (مؤسس دولة إسرائيل) قال له الأخير خلاله: «لا يهم ما يقوله عنا العالم، لا يهم ما يقوله أي كيان عنا، المهم هو أن نبقى هنا».

الصراع العربي الإسرائيلي ليس كما يعتقد البعض يدور بين إسرائيل وحدها وبين بقية الدول العربية، بل يدور جوهرياً بين إسرائيل وحلفائها -وفي مقدمتهم الولايات المتحدة- وبين العرب، وهي معادلة عسكرية يجب أخذها في الحسبان، وما يفعله حزب الله هو أنه يوظف الآلة العسكرية للسيطرة على لبنان، وكيلاً عن النظام السوري الذي اضطر للخروج من لبنان بعد مقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.

منذ أسابيع قليلة كلف الرئيس اللبناني مصطفى أديب بتشكيل الحكومة الجديدة بعد حادثة انفجار مرفأ بيروت، لكن السؤال المهم هو: ما مدى تمتع هذه الحكومة بالاستقلالية الكافية -بعيداً عن حزب الله وأنصاره- لكي تتمكن من رأب الصدع في الشارع اللبناني، بعد فقده الثقة في قياداته، وهو ما تمثل في خروج مظاهرات عارمة ضد الحكومة اللبنانية وبعض رموزها، وفي اعتقادي أن هذا هو التحدي الأكبر للبنان، ليتمكن من العودة لوضعه الذي عهدناه عليه من قبل، وقبل دخول حزب الله على خط المواجهة.

كاتب سعودي

Prof_Mufti@

dr.mufti@acctecon.com