-A +A
فؤاد مصطفى عزب
يتمطى الفجر فوق سطوح المدينة راكضا بين قبابها بفرشاة من نور، ثم ينزلق رويدا رويدا إلى أزقتها وحواريها، يلون الأبواب بالأزرق أو البني، والجدران بالأبيض، كنت أمني نفسي بفطور صباحي متفرد الشذي وقهوة طيبة، إنه يوم الجمعة، يوم عطلة نهاية الأسبوع، تهاويت على الكرسي الحديدي في الشرفة المقابلة للبحر، كنت أتابع الغيمة وهي تتعالى تتوسد الفضاء، شعور بالفقد يحتلني ويضغط على كتفي مثل رخ عظيم، شعرت بالحنين إلى (قطي) الذي ورثته عن أبنائي، وعايشته مدة طويلة، وتوفي بالأمس، لحظة بحث عن براءتنا الضائعة، والشعور بأن هناك أشياء أخذتها الأقدار منا ولا نمتلك الحق في استردادها، تأملت البحر متسائلا، لماذا هذا الشيخ الهادي أحيانا والمجنون أحيانا كموجه المزبد، دائم التجدد، ولا يموت أبدا، كنت وسط دائرة لا تنتهي، الأعمار بيد الله، لكن لا يزال الموت مشكلة لا تؤرقني فقط، بل كل علماء العالم، الروس حاولوا إيجاد حلول على طريقة الحزب الشيوعي، جمدوا أجسادا ميتة من أيام الرئيس ليونيد بريجنيف، انتظارا لاكتشاف طريقة ممكنة لإحيائهم مرة أخرى، الله وحدة يحيي العظام وهي رميم، لكن العلماء الروس قالوا وقتها إن الأرواح لا تفني عندما تغادر أجسادنا، لأنها تبقى أثيراً محلقاً في طبقات الهواء، مثلها مثل الأصوات الآدمية، قبل سقوط الاتحاد السوفيتي، وفي عهد الرئيس جروميكو بدأوا تجارب لإعادة تجميع أصوات أناس عاشوا قبل آلاف السنين، استمرت تلك التجارب سنوات، على أساس أنهم لو نجحوا في استعادة الأصوات في الفضاء، فالأكيد أنهم سينجحون في استعادة الأرواح أيضاً، كوريا الشمالية قامت بتجارب مشابهة وطريفة، حيث يقال إنه في العاصمة الكورية بيونج يانج، مستشفى تابع للجيش الكوري يحتفظون فيه بأنسجة أجنة ماتوا منذ عشرات السنين، انتظارا لانتهاء تجارب إعادة الروح، تجاربهم في إعادة الروح مستمرة منذ سنوات أيضاً، فهم الآخرون اعتقدوا أن الروح أثير، أو ذرات، وما دامت كذلك، فلا بد أن هناك طريقة لاستعادتها من الهواء، يسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي، لكن في كوريا الشعبية الاشتراكية، يقولون إنه ما دامت التجارب مستمرة، والأبحاث هي الأخرى مستمرة، فمن المؤكد أنه سيأتي العلم بكثير في هذا المجال، قبل سنوات كان الحديث عن مثل هذه الموضوعات ضرباً من الخيال ونوعاً من الخرافة، إلا أن هناك خبراء ظهروا، وعلماء تخصصوا، يتحدثون في هذا الشأن وبشكل جدي، عن طريقة استعادة الموتى من العالم الآخر، ولقد كان لخبر وفاة الطبيب الياباني هينوهار والذي تفرغ لهذا الموضوع، ولقب برائد علم أسرار الموت، العام الماضي عن عمر يناهز الـ١٠٥ أعوام، أثار كثيرا من التساؤلات حول هذا النوع من الأبحاث والدراسات، حيث كان يسعى من خلال أبحاثه المتتابعة والممتدة، سعياً وراء أسرار الموت، وكان هدفه العثور على طريقة تجعل الإنسان يعيش فترة أطول، عن طريق وصفات طبية تقليدية قديمة وأسلوب حياتي معين، يقال إنه جزاء من نتائج نظريات يابانية عتيقة تتحدث عن التعامل مع روح الإنسان لا جسده، ولتبقى الروح حتى لو مات الجسد، صحيح أن هينوهار تعدي المائة عام، لكنه مات!! هينوهار، قال قبل مماته إنه قد اقترب من بداية الطريق لجعل البشر يعيشون طويلا، أطول فترة ممكنة، هو نفسه كان يأمل في أن يعيش مئتي عام أو ثلاثمائة عام، لم يصل لمئتي عام، لكن يكفيه شرف التجربة، ومشاعر الأمل!! يظل الموت واحدا والرب واحدا، والشعور بأن هناك أشياء أخذتها الأقدار منا ولا نمتلك الحق في استردادها، شعور يلاحقنا، أينما اتجهنا، كونه القدر الذي رسمته لنا السماء، يحيطنا، يجلدنا، والحزن يأبى أن يفارقنا وكأنه صدقة جارية تهبها لنا الأيام بعد الفقد!!

كاتب سعودي


Fouad5azab@gmail.com