-A +A
طارق الحميد
أولا وقبل كل شيء، من الطبيعي أن يكتب المتخصصون في الشرق الأوسط، أو غيرهم دوليا، ساسة أو أكاديميين، مقالات تعكس وجهة نظرهم في الصحافة الغربية، من أوروبا إلى أمريكا، وذلك إما لإقناع الرأي العام، أو لإقناع صناع القرار هناك، لكننا هنا أمام قصة مختلفة، وأكثر إثارة للسخرية!

والقصة لمن لم يتابعها هي كالتالي، ففي الثاني من شهر سبتمبر الحالي نشر أكاديمي يعمل في جامعة حمد بن خليفة في قطر مقالا في صحيفة هارتز الإسرائيلية بعنوان: «صانع السلام الحقيقي هذا الأسبوع كان قطر، وليس الإمارات». وذلك في الأسبوع الذي زار فيه وفد أمريكي إسرائيلي الإمارات.


ويقول الأكاديمي، كاتب المقال، إنه بينما كان الإسرائيليون والإماراتيون يتبادلون المجاملات، كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية وحماس تتبادلان القنابل عبر الحدود، ولا ندري إذا كانت لحماس طائرات حربية، لكن هذه ليست القصة المهمة هنا.

حيث يقول الأكاديمي في الجامعة القطرية، وفي الصحيفة الإسرائيلية، وهو الأهم، يقول إن كل الضجة التي بثت، وروجت إعلاميا، من أجل السلام «الزائف»، حسب تعبيره، بين الإمارات وإسرائيل «قد صرفت الانتباه عن عملية صنع السلام الحقيقية التي شاركت فيها قطر، المنافس الإقليمي لدولة الإمارات، سعياً إلى تخفيف الوضع المتصاعد في غزة».

نعم هو يقول إن السلام الحقيقي ما صنعته قطر، وهذا عنوان مقاله، مما يعني أننا أمام مستوى غير مسبوق من المهزلة الدعائية في المنطقة، وتحديدا في الخليج، وفي النسخة القطرية، التي لا تكف عن مفاجأتنا في الانحدار الإعلامي، والأخلاقي، والخديعة، والتضليل.

وكما أسلفنا بأول المقال فمن الطبيعي أن تنشر مقالات في الصحف الأوروبية، والأمريكية، لتقديم، وتبرير وجهة نظر أحد أطراف الأزمة، أي أزمة سواء في المنطقة، أو غيرها دوليا، للرأي العام هناك، أو صناع القرار، لكن أن يقوم أحد العاملين في جامعة قطرية بالكتابة في صحيفة إسرائيلية للتأليب على دولة خليجية، وبالاسم، وليقول إن صانع السلام الحقيقي بالمنطقة هو قطر، ودون أن يقول إن الهدنة التي أتمتها قطر بين حماس وإسرائيل هي من أجل الأموال، وليست سلاما حقيقيا، بل هي مجرد هدنة بالإيجار، ووقتما توقف الدعم القطري يعود التصعيد، فإن هذه سخرية، وانحدار، غير مسبوقين.

وربما يقول البعض إن كلمة سخرية مبالغ بها، لكن من شأن ذلك الانطباع أن يتلاشى عندما نعرف أن التعريف الذي استخدمته صحيفة هارتز الإسرئيلية لكاتب المقال الذي يدافع عن قطر هو أنه أستاذ مساعد لدراسات الشرق الأوسط في جامعة حمد بن خليفة في قطر، ومتخصص في المعلومات المضللة، والدعاية، والضوابط الإعلامية في الشرق الأوسط. فهل هناك سخرية أكثر من هذه؟ وهل هناك تضليل أكثر من هذا؟

كاتب سعودي

tariq@al-homayed.com