-A +A
ماجد قاروب
ليكون إيذاناً باكتمال المثلث القضائي لمؤسسات الدولة القضائية، عُدل نظام النيابة العامة بما يُمكنها مزاولة مهامها باستقلال كامل وحياد تام بصفتها أمينة على المجتمع تراعي وتوازن بين حرية الأشخاص وحق المجتمع بأعلى المعايير الحقوقية المكفولة شرعاً ونظاماً دون إفراط أو تفريط في الاعتبارات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية.

هذه رسالة النيابة العامة ضمير ووجدان المجتمع وحارسه الأمين على الأمن الاجتماعي والمؤسساتي والقضائي وهو ما أوضحه معالي النائب العام في لقائه المنشور بهذه الصحيفة قبل أيام.


وقد نبه معاليه إلى ضرورة عدم الانسياق وراء الشائعات التي من شأنها المساس بالنظام العام، وإلى أهمية التحذير من نشر أو ترويج الشائعات والمعلومات المضللة وخصوصاً المتعلقة منها بأزمة جائحة كورونا.

وكان لافتاً إشارة معاليه إلى استخدامات برامج التقنية المتطورة ووسائل التواصل الاجتماعي مع استسهال التعاطي فيها بكثير من الأمور المحظورة بل وكثرة التجاوزات المتولدة عنها التي أدت بطبيعة الحال إلى وقوع عدد كبير من مختلف شرائح المجتمع وطبقاته في مخالفات الجرائم المعلوماتية ذات العقوبات القاسية.

وأوضح معاليه إجراءات الحماية الجنائية في نطاق الأمن الغذائي ومنتجاته، من خلال التحذير من الممارسات المجرمة نظاماً وشرعاً؛ كالغش التجاري أو الاخلال بنظام البيانات العامة، أو التستر، أو انتهاك حقوق العلامات التجارية، أو نشر الشائعات المغلوطة عن عدم وفرة السلع والمنتجات الغذائية.

وأكد معاليه أن النيابة العامة تزخر بالكوادر المميزة نتيجة تحقيق معايير عالية الجودة بداية من دقة اختيار منسوبيها وحسن تأهيلهم وتزويدهم بالمحتوى العلمي والمهني التدريبي والتأهيلي بشكل مستمر ومتطور، وأن صلاحيات أعضاء النيابة العامة مقننة ومسببة وليست خاضعة للاجتهاد الشخصية وبها ضمانات تحفظ الحقوق، وأن هناك آلية تنبيه المحققين لما قد يقع منهم مخالفاً لواجباتهم أو مقتضيات وظائفهم ومن ثم يكون الأثر المترتب على ذلك رفع الدعوى التأديبية أمام مجلس التأديب على المخالف لإصدار العقوبات المناسبة.

وهكذا فإن أعضاء النيابة تحت طائلة الرقابة والتأديب كما هو مع القضاة في مجلس القضاء الأعلى والمحامين بوزارة العدل، ولكن في واقع الحال نستطيع في القطاع الحقوقي أن نشهد بأننا نشعر بتحسن كبير وملحوظ في أداء الجهاز منذ تعديل واقعه الجديد.

وأحسن معاليه في شرح استراتيجيات التعامل مع القضايا الاجتماعية والعامة والخطط الوقائية والعلاجية لوضع الحلول التي من شأنها الحيلولة دون وقوع الجرائم من خلال التوعية القانونية بأضرارها على الفرد والمجتمع، وأن كل هذا يتطلب جهوداً مشتركة من مختلف مؤسسات المجتمع المدني لنشر الثقافة الحقوقية.

وأثمن لمعاليه دقة بيانه عن حسم ملف العنف الأسري وحق تمتع أفراد الأسرة بكافة الحقوق المكفولة شرعاً ونظاماً من خلال الأنظمة القائمة المعنية بالحماية من الإيذاء التي تُحقق القدر الكبير من الضمانات الحقوقية وتُجرم شتى صور التجاوزات وتُرتب عليها عقوبات رادعة وزاجرة.

ولعلها رسالة إلى أولياء الأمور لمراجعة النفس تجاه ممارسة مسؤولياتهم تجاه الأبناء والأطفال وحقوقهم المادية والمعنوية.

وكان جميلاً ومؤثراً وحازماً ما طرحه معاليه بأن حضور المحامي في مرحلة التحقيق يمثل أحد الضمانات التي قررها نظام الإجراءات الجزائية واعتباره شريكاً للنيابة العامة في السعي لإظهار الحقيقة وإقامة العدالة.

ويصادف هذا الطرح حقيقة أن المحامي هو بالفعل شريك السلطات الثلاث والمجتمع والأجهزة الأمنية والحقوقية لتحقيق العدالة بجميع أنواعها وصورها المشروعة، ونتطلع إلى تعديلات تشريعية تُلزم بوجود المحامي المرخص رسمياً فقط خلال مراحل القبض والتحقيق والتقاضي والتنفيذ.

لقد كانت رسالة معاليه واضحة معبرة لصُناع الإعلام بتقصي الحقائق من مصادرها الرسمية ونقل هذه المعلومات بشكل شفاف وواضح للمُتلقي، باعتبار مهنة الإعلام أمانة ومصداقية.

ولعلي أضيف أن هذه الرسالة لكل أشكال الإعلام مع التركيز على الإعلام الرياضي لمحاربة التعصب والحفاظ على الشباب وتعزيز مبادئ القيم الأخلاقية للرياضة والتنافس الشريف.

لقاء هام جداً للوطن والمجتمع ومنسوبي النيابة العامة ومجمل السلطة القضائية بمن فيها من قضاة ومحامين في هذه المرحلة الحرجة والحساسة التي تشهد تطورات جذرية شاملة لبيئة تشريعات الأعمال والمؤسسات والأجهزة الحكومية والقطاع الخاص، ولذلك نقول شكراً معالي النائب العام.

كاتب سعودي

majedgaroub@