-A +A
محمد الساعد
قبل ثلاثين عاما تقريبا، تقدم مجموعة من رجال الأعمال السعوديين إلى الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- بفكرة إنشاء محطة إعلامية سعودية ذات بعد عربي تنطلق من لندن التي كانت حينها عاصمة الإعلام العربي، ولتكون بعيدة عن كل الحساسيات والخصوصيات التي تحد من مساحة أي منصة إعلامية.

استشعر الملك فهد أهمية المشروع ووجده طموحا جدا ويحقق ما تصبو إليه بلاده ذات السمعة الدولية وناقلة للعالم ما هي المملكة، ولتكون تلك القناة الوليدة شقيقة للشركة السعودية للأبحاث التي انطلقت قبل ذلك بعقد ونصف وحققت نجاحا باهراً بنشرها أهم الوسائل الإعلامية العربية (الشرق الأوسط، مجلة المجلة، سيدتي، الرجل، عرب نيوز، أردو نيوز)، وغيرها الكثير من الإصدارات التي غيرت وجه الإعلام العربي، ولتكون إضافة إعلامية تقدم للسعوديين والعرب محتوى هم في حاجة ماسة إليه.


لم يكن ليتخيل أحد أن تلك المحطة الصغيرة في لندن التي أضافت إلى مشروعها إذاعة «إف إم» ستهيمن على الفضاء العربي وتحقق مئات الملايين من المشاهدات. اليوم وبعد ثلاثة عقود أضحت «إم بي سي» مجموعة من القنوات الرائدة الموجهة للمشاهد العربي حيثما كان، إضافة لخدمات المشاهدة مدفوعة الثمن.

وإذا كان التلفزيون المصري هو من حمل الدراما للعالم العربي والأرض الأساس التي انطلقت منها الثقافة التلفزيونية، فإن «إم بي سي» هي صاحبة الفضل في نقل الإعلام العربي من التقليدية إلى آفاق جديدة استخدمت فيها التقنيات الحديثة ووظفت المحتوى الترفيهي ورفعت من ذائقة المشاهدين.

لم تكتف «إم بي سي» بالمشاهدة التلفزيونية بل تحولت إلى الترفيه الرقمي وهو عالم واسع جدا، فأنشأت منصة «شاهد» الرقمية التي حققت نتائج مذهلة على مستوى المتابعة في العالم العربي وفي خارجه، وينتظرها مستقبل باهر لا يقل عن شبكة نت فليكس العالمية.

لكن علينا أن نعي جيدا أن «إم بي سي» ليست مكتبا صغيرا يمكن إغلاقه والتضحية به، إنها واحدة من أهم القوى الناعمة للمملكة، على الرغم من أنها لم تستخدمها للدعاية السياسية الرخيصة -كما يفعل القطريون بشبكاتهم التلفزيونية وعلى سبيل المثال «بين سبورت» التي تم تسييسها محولين مذيعيها لمرتزقة-، إلا أن الـ«إم بي سي» ستبقى أيقونة الإعلام السعودي وعينه الجميلة.

الـ«إم بي سي» يملكها السعوديون ولا تملكها قطر أو «الإخوان» أو الأتراك، والانحياز ضدها لدرجة الانخراط في مشروع هدمها هو خسارة فادحة لا يمكن تعويضها.

دعونا نتذكر ما حصل لقنوات «إيه آر تي الرياضية» السعودية التي كانت هي الأخرى مبادرة عملاقة استطاعت بناء مجموعة قنوات رياضية تمتلك حقوق بث الدوريات والمناسبات الرياضية العربية والعالمية. لقد شن القطريون هجوما واسعا وحملات منسقة ضدها لدرجة أن مذيعيها أداروا حلقات عديدة كاملة للنيل من فكرة احتكار المباريات الرياضية، مجيشين الشارع السعودي والعربي ضدها، بالطبع عملاء الداخل والمغرر بهم لم يقصروا في الانخراط في المشروع المضاد لها، وعندما وصل الجميع لمستوى القبول بالتفريط فيها وهو ما كانت تسعى إليه الدوحة عرضوا شراءها مع الحقوق التي تملكها، عندها تحولت إلى الجزيرة الرياضية ثم «بين سبورت» أهم قوة ناعمة في العالم في يد العدو اللدود قطر.

اليوم لا يتحدث أحد عن احتكار القطريين للرياضة العربية والمناسبات الإقليمية والدولية، بل يدفعون المال لهم وهم مبتسمون لأن آلة التحريض موجهة لنا فقط.

نعم من حقنا أن ننتقد «إم بي سي» وأن نعدل من مسارها إذا حادت عن خطوطنا العريضة، لكن التفريط بها والدفع إلى تفكيكها -لا سمح الله- يعني أننا نكرر نفس الخطأ الفادح في (art).

«إم بي سي» ليست علي جابر وإذا أخطأ عليه دفع الثمن وإذا عمل وخدم المحطة فهذا واجبه الذي يأخذ مقابله. «إم بي سي» أيها السادة هي ملايين المتابعين السعوديين والعرب، وهي مئات الإعلاميين السعوديين الذين يعملون بها في المملكة وخارجها من الأساتذة الكبار (محمد التونسي، وداوود الشريان، مرورا بالشاب البارع مساعد الثبيتي صانع الأخبار والتقارير المذهلة، وعلي العلياني عين الناس ونبضهم، وليس انتهاء بياسر العمرو)، وغيرهم الكثير الكثير ممن لا يسع المقال لذكرهم.

كاتب سعودي

massaaed@