-A +A
محمد الساعد
على إثر قيام السعودية بتجريم تنظيم الإخوان المسلمين عام 2014، لتتبعها في ذلك عدة دول عربية، ومن ثم إحالة المنخرطين منهم في أعمال إرهابية أو تخابر مع دول أجنبية للمحاكمات، تراجع الكثير من المحسوبين والمنتمين للتنظيم للصفوف الخلفية، ليس تخليا عن التنظيم الإخواني الهدام بل تكتيك تقتضيه المرحلة مستعينين بفكرة التواري المؤقت والانكفاء المدروس، لقد كانت مرحلة بيات شتوي حتى تنقشع المواجهة التي داهمتهم على حين غرة.

المنتمون للتنظيم وبعد عام 2010 أخذهم الغرور والإعجاب بالنفس لدرجة الانكشاف، وتخلوا جميعا قيادات وكوادر شابة عن حذرهم وانضباطهم المعروف، لدرجة أن القيادات والزعامات الإخوانية من كثر نشوتها فضحت مخططاتها وتحالفاتها، وتحدثت عن آرائها المتطرفة المعادية للأوطان بكل بجاحة وأرسلت تهديدات مباشرة للدول العربية كانت في مرمى الخصومة.


ولعل أهم سر انكشف هو ما أدلى به وزير مالية الإخوان يوسف ندا في لقاء مع قناة الجزيرة الإخوانية عن قيام التنظيم بتأهيل قيادات «سرية» سماها «البقع السوداء»، وهي كناية عن كوادر ليست معروفة ولا يمكن الشك فيها، تبقى في المناطق المظلمة بعيدة عن الأضواء، مهمتها التمكين والتأهيل وزرع كوادر أخرى في المفاصل الأمنية والإدارية العليا للدول بهدوء ودون إثارة الضجيج، هؤلاء يشكلون تنظيما إخوانياً موازياً وخطيراً لأنه غير منكشف للأجهزة الأمنية.

التنظيمات الداخلية التي تعمل بأجندة خارجية بدأت تكتيكاً جديداً مع انقلاب المشهد العربي منذ ثورة 30/‏6/‏2013 المصرية، التي أخرجت الإخوان من مراكز القرار وما تلاها من تجريمهم وملاحقتهم أمنياً بسبب تخابرهم وتآمرهم.

قرر التنظيم المحلي والتنظيمات المحلية اتباع استراتيجية جديدة، تبدأ من إرجاع الوجوه المعروفة والمشبوهة للوراء وإخفائها مؤقتاً، ولعلنا نتذكر إحدى تغريدات القيادي سلمان العودة التي قال فيها نصا (الحذر) وكأنها إشارة بالتواري السريع، الاختباء شمل الكوادر المتسترة برداء الدعوة ولباس التدين والذين تصدروا المشهد الإخواني طوال خمسة عقود، والدفع بدلا منهم بوجوه جديدة -غير معروفة- كانت متوارية وتقوم بأدوار أخرى لصالح التنظيم من أهمها الاختراق الناعم لمفاصل الدول وأجهزتها.

الإخوان الجدد هم في معظمهم «تكنوقراط» متعلمون لا تظهر عليهم سمات الإخوان المعروفة ولا يقدمون أنفسهم كناشطين ويتحاشون الإدلاء بآراء سياسية، وهم مدربون على تطبيق مبادئ «السرية» العالية جداً.

لقد قام هؤلاء «البقع» -كما سماهم القيادي الإخواني يوسف ندا- بالمهمة كاملة عندما حان وقتهم، ولبوا نداء زعامات التنظيم الدولي ودفعوا بكوادرهم التكنوقراط إلى مفاصل مهمة في الدول، وركزوا على المناصب التي يمكن تسميتها بوظائف معتمة بعيدة عن الاحتكاك بالعامة، إلا أنها تتميز بكثافة الأموال والعائد العالي جدا.

من هؤلاء «البقع» ناشطون ورجال أعمال وموظفون عالو الأهمية وأبناء عائلات تجارية كبيرة وأعضاء في مؤسسات مجتمع مدني، لا يطلب منهم المخاطرة وكشف انتمائهم للإخوان، بل تقتضي مهمتهم تصعيد وتوظيف وتمكين من يرشحهم التنظيم الدولي ويوجه بدعمهم وحمايتهم، وكذلك إقصاء وعقاب من يتُوجس منهم خيفة أو من هم محسوبون على الوطنيين واعتبارهم خصوماً للتنظيم.

الممكنون يقومون أيضا -متى ما سمحت لهم الظروف- بإنشاء كيانات ومؤسسات مالية موازية للمؤسسات الحكومية في العالم العربي، مهمتها جلب موارد عالية التدفق، للصرف منها خارج الرقابة المالية وكذلك لتشغيل شركات محسوبة عليهم دون الالتزام بمعايير التعاقد، فضلا عن تمويل خطط وأبناء التنظيم السري من خارج الموازنات العامة.

«الإخوان التكنوقراط» هم الأخطر والأكثر دهاء ويختلفون عن الإخوان التقليديين، في أنهم غير ملاحظين، يقدمون أنفسهم كإداريين محترفين ويقومون بالترويج لأنفسهم وخلق ولاءات عامة وشعبوية، وينخرطون داخل الحكومات ليس لخدمتها بل للتغول حتى تحين الفرصة.

يتم الدفع بهم بنعومة بالغة إلى أعلى المناصب لكيلا يكتشفوا وليشكلوا الطبقة الوحيدة في المشهد، ومنهم يتم تعيين الوظائف الإدارية الأولى في الحكومات حين تحين لحظة الاختيار للمناصب عالية الأهمية -الجبري- مثالاً.

في مقابل ذلك هم يعيشون أزمات نفسية حادة خوفا من الانكشاف الأمني والفكري -على الرغم من أن قليلا من البصيرة والتحليل تكشفهم وتفضح أمرهم- الأمر الذي يدفعهم لارتكاب حماقات وأخطاء متتالية، وهم في نهاية الأمر ليسوا سوى عبيد في هيكل التنظيم الدولي للإخوان وسيأتي اليوم الذي يطلب منهم القيام بعمليات إدارية «انتحارية» غير شريفة وضد أوطانهم مقابل ما قدمه لهم التنظيم من أموال وتمكين.

كاتب سعودي

massaaed@