-A +A
أريج الجهني
«إن للحب حكماً على النفوس ماضياً، وسلطاناً قاضياً، وأمراً لا يخالف، وحداً لا يعصى، وملكاً لا يتعدى وطاعة لا تصرف، ونفاذاً لا يرد». ابن حزم الأندلسي، الأسرة نواة الحب والسكينة ومهد الطفولة ومأوى الرحيل، مهما تحدثنا عن قيمة الأسرة نظل عاجزين في فهم هذه العلاقة المقدسة التي شرع الله سبحانه وتعالى أعلى المواثيق وأقدس الروابط وجعل لمكانتها قيمة خالدة، ونحن -ولله الحمد- نحظى بعلاقات ثابتة وجميلة وممتدة، لكن كل هذا الجمال لا بد أن يعلوه الكدر ولا يمر وقت إلا وتتحول النفوس والمفاهيم، ودولتنا وقادتنا عبر التاريخ يحفظون بالقوة حق كل مواطن ومواطنة مهما كبر أو صغر عمره ومهما كانت مكانته، وهذا ما نراه اليوم هو استمرار لماضٍ تنموي يحتفي بالإنسان ويجعل أمنه ورعايته محور العمل والعطاء.

ولكن هناك لحظات يقال «لا تترك الحزم في أمر تحاذره فإن أمنت فما بالحزم من بأس» وهذا ما جاء في توجيهات النيابة العامة، فالحزم والصرامة في التعاطي مع بعض التجاوزات التي تحدث من قلة في المجتمع وتم تداولها على نطاق واسع ما هي إلا تأكيد لعزم الدولة وقوتها في ترسية الأمن الأسري، تفاوت فهم الناس لتلقي هذه الأنظمة رغم قدم وجودها، فمثلاً نظام الحماية من الإيذاء المقر في مرسوم ملكي بتاريخ 15/‏11/‏1434هـ نص على 17 مادة؛ منها المادة الثانية التي تنص على (يهدف هذا النظام إلى الآتي: ضمان توفير الحماية من الإيذاء بمختلف أنواعه- اتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة لمساءلة المتسبب ومعاقبته)، المادة الثالثة (يجب على من يطلع على حالة إيذاء الإبلاغ عنها فوراً)، المادة التاسعة (إذا تبين للوزارة أن التعامل مع حالة الإيذاء تستلزم التدخل العاجل أو الدخول إلى المكان الذي حدثت فيه واقعة الإيذاء فلها الاستعانة بالجهات الأمنية المختصة، وعلى تلك الجهات الاستجابة الفورية للطلب وفقاً لطبيعة كل حالة ودرجة خطورتها).


النيابة العامة أعادت الهيبة بشجاعة وعمل مهني مستمر وأعادت هيكلة الوعي تجاه (الأسرة) فهي منظومة تعمل بشكل مهني متميز عززت صورة سلطة الدولة بكل رقي وحضور متنوع من الجنسين قد لا يعلم الناس عدد السيدات اللاتي يعملن في وحدات النيابة وأهمها وحدة الصلح التي سبق وتحدثت عنها في مقال سابق، إعادة نشر مادة (امتناع الشخص أو تقصيره عن توفير أساسيات الحياة وما يترتب عليه من عقوبات والتهديد بالإساءة الجسدية لأي فرد من أفراد الأسرة)، هذه المواد التنظيمية بالتأكيد لرفع الوعي ورسم خارطة طريق قانونية للفرد وهذا ما كنا ننتظره فمهما كانت جهود الوزارات مجتمعة الإعلان بالعقوبات قد يكون هو الحل الأخير لمن لا يردعه محبة ولا يرده خلق أو دين.

التحول النوعي في الخطابات التي تمس حياة الأسرة وأفرادها من صميم رؤية 2030 (مجتمع حيوي) فلا يعقل أن تنتظر إنجازاً وبناء من إنسان خائف تحت سقف منزله أو من فتاة مبتزة من أقرب الناس إليها، نعم نحن نميل للخير وأهل له لكن هذا لا يعني أن نغيب صوت السلطة بل لتكن حاضرة موازية للحب والعطف، فالحزم محبة والعزم نهضة.

كاتبة سعودية

areejaljahani@gmail.com