-A +A
أنمار مطاوع
ليس دائماً الأكبر والأكثر والأوفر هو الأقدر على البقاء.. على الأقل ليس في كل الظروف. على سبيل المثال، حين كانت الصحف الورقية الكبرى تغرق تحت سطح الإنترنت، استطاعت الصحف الورقية الصغرى المحافظة على أنفها فوق السطح لتستمر في التنفس بعمق. فهي ذات تكاليف قليلة أصلاً.. وقد سبق لها تجربة المعاناة لفترات طويلة استطاعت من خلالها تقليل نفقاتها وتطوير غريزة البقاء بالاعتماد على مصادر تحريرية وإخبارية خارجية تعتصر بها مصروفاتها إلى أقل حد ممكن.. وربما دون الحد الممكن. على الطرف الآخر، تأتي الصحف الكبرى التي تضخمت وكبرت واعتزت بمصادرها الخاصة على مدار سنوات طويلة.. لكن عندما أطبقت «الإنترنت» فكيّها، وجدت نفسها وجهاً لوجه أمام نفقاتها العالية.. فبدأت تضعف سريعاً أمام تسريح جهاز تحريرها الكبير.. وانتهى بها الحال تجثو على ركبتيها (مالياً) في نهاية كل شهر.

ضع في السلة نفسها فكرة أن الأحجام الكبيرة ليست بالضرورة ذات فائدة دائماً. على سبيل المثال، المعدات الحربية الثقيلة -كالدبّابات- تصبح عديمة الفائدة تماماً في بعض المواقع الجغرافية -كالغابات- حين تكون الأسلحة الخفيفة والصغيرة هي ذات الفعالية العالية. الفارق بين المثالين هو جغرافية الزمان.. وهما ينطبقان على كثير من الأعمال في الشركات والمؤسسات الحكومية والخاصة.


الجانب التعليمي ليس من الاستثناء.. بل هو ضمن محور البقاء للأصغر. المؤسسات التعليمية الصغرى؛ كالمدارس الصغيرة والكليات الصغيرة والجامعات الصغيرة.. وما في حكمها.. هي من تستطيع خلال هذه المرحلة والمراحل المستقبلية أن تحافظ على مكانتها وبقائها باللياقة نفسها.

مصطلح (الصغيرة) لا يعني الضعف والرداءة.. ولا يعني عدم المنافسة على الجودة.. ولا يعني عدم السعي لتقديم الأفضل.. ولكنه يعني عدم التضخم.. ويعني التوقف عن أحلام الوصول إلى الصفوف الأولى في الحجم والمقدرات.

المرحلة العالمية الحالية والمستقبلية تنبئ بأن الأعمال الصغيرة؛ شركات ومؤسسات ومنشآت.. هي التي سيكتب لها البقاء والاستمرار طويلاً.. وروادها هم من سيتنفسون استدامة النجاح.. شريطة أن يحافظوا على الجودة ويحافظوا على المكانة.. ويحذروا من إغراء التضخم وإغوائه الذي لا يترك خلفه سوى ندامة الترهل.

كاتب سعودي

anmar20@yahoo.com