-A +A
عبدالرحمن الطريري
في التاريخ المصري مر الإخوان المسلمون بثلاثة رؤساء بعد الحكم الملكي، حاولوا اغتيال الرؤساء الثلاثة، جربوا ذلك مع جمال عبدالناصر في حادثة المنشية، فنجا من الموت وحاربهم وشردهم فهربوا إلى الخليج بحثاً عن السلامة، وهرباً من بطش عبدالناصر.

ثم نجحوا في اغتيال الرئيس السادات، بالرغم من أنه قربهم ودعمهم ضرباً للناصريين، ثم حاولوا مجدداً مع الرئيس محمد حسني مبارك، في أديس أبابا والتي أشارت التحقيقات المصرية إلى دور للرئيس السوداني الإخواني عمر حسن البشير.


في سوريا أيضاً قاتلهم حافظ الأسد في حماة 1982، وهربوا من سوريا ومجدداً كان الملجأ الرئيسي دول الخليج، دول الخليج احتضنتهم ووفرت لهم المعيشة الكريمة وفرص العمل، فكان أن تغلغلوا في عدة قطاعات أبرزها التعليم، لتكون لهم فرصة غسل العقول وتمرير مؤلفات وقناعات حسن البنا وسيد قطب عبر المناهج الدراسية.

وبطبيعة تنظيمات الإسلام السياسي والتي ورثت تجارب عدة تنظيمات سرية، عملت على التخفي تحت أقنعة عديدة، ووجود قيادات معلنة وقيادات في الظل، تتمدد كلما وجدت الفرصة لذلك مواتية، وتنكمش كلما وجدت الريح تهب ضدها، وهي اليوم في الخليج تندس وتتحين الفرصة المناسبة، كما فعلت ذلك في مصر 80 عاماً حتى أتت بمحمد مرسي.

أحداث الحادي عشر من سبتمبر هزت العالم والمسلمين والعرب تحديداً، بالرغم من أن مقدماتها كانت ظاهرة، عبر استهداف القاعدة للمصالح الأمريكية، عبر استهداف السفارة في نيروبي ودار السلام، واستهداف المدمرة الأمريكية كول من اليمن.

واختلفت ردات الفعل بعد هذه الحادثه، فإيران مثلا بدأت برنامجها النووي في 2002 لاعتقادها أن وجود سلاح ردع، سيمنع أن يحصل في إيران ما حصل في أفغانستان ولاحقاً في العراق، النظام السوري من ناحيته باشر تصدير الإرهابيين إلى العراق، حتى تصبح مهمة واشنطن مكلفة ولا يقدم على إسقاط النظام السوري.

السعودية من جهتها قامت بحملة كبيرة للقضاء على الإرهاب، على المستوى الفكري والتمويلي والعسكري، وتعرضت على إثر ذلك لعدة عمليات إرهابية، وعلى العكس كان الإرهابيون يجدون من إيران وقطر واليمن وسوريا، ممراً آمنا وأهدافاً مستبعدة من قائمة الإرهاب.

وفي خضم الحرب على الإرهاب، وجد الإخوان المسلمون فرصتهم ليصدروا للغرب فكرة أنهم يمثلون الإسلام المعتدل، صاحب الشعبية في الشارع، ويجب أن يُمكنوا ليصلوا للحاكمية، ولديهم ميزة إضافية وهي قدرتهم على فتح قنوات خلفية مع التنظيمات الإرهابية، مما يحمي المصالح الغربية، ويسمح بتقديم الفدى وإخراج الأسرى بكل سلاسة عبر الأموال القطرية.

وتلقت هذه الرسالة بسذاجة إدارة بوش الابن، فوصلت حماس إلى البرلمان الفلسطيني، وأقيمت أول انتخابات رئاسية في مصر تحمل أكثر من مرشح بعد تعديل المادة 76 من الدستور، وكان أبرز المرشحين المنافسين لمبارك، هو أيمن نور رئيس حزب الغد، والمتواجد في تركيا وضمن كل المسيرات التي تطلبها وتمولها قطر ضد مصر والسعودية.

سعد الجبري وجدها فرصه ليقفز من ملف مكافحة الإرهاب، ليحوله ملف إعادة تأهيل الإخوان، وبالتالي أصبح لهم المنابر التلفزيونية، وجلسات الحوار الوطني، والحديث عن الانفتاح والوسطية، ثم ركبوا موجة شبكات التواصل، وبدأوا يستهدفون الجمهور غير الملتزم لتوسيع دائرة التأثير، على طريقة جمع الأصوات الانتخابية.

ومع انطلاق شرارة الربيع العربي، سال لعابهم وظنوا أن الثمرة أينعت للقطاف، وبدأوا بدور تنظيري في مصر وتونس، ومحاولة إقناع الساعدي القذافي بالانقلاب على والده وتشكيل حكومة من الإخوان، وصولاً لمحاولة إسقاط الأنظمة الخليجية.

تكسرت على درع السعودية رماحهم، وتكشف مخططهم الذي كانت تعمل عليه وتموله قطر، وما أكثر المعلومات والتسجيلات عن ذلك والتي أصبحت متاحة للجميع اليوم، وهذا التنظيم لا يستغرب منه القذارة، ولا يجب تصديق وهم الأخلاقيات، فالأخبار عن الاغتصابات والعلاقات المحرمة لا تنقطع عن عناصر الإخوان خاصة في أوروبا.

مع كل ما ذكرته wsj عن فساد الجبري المالي، والسوس الفكري الذي حاول من خلاله نخر المجتمع، يتضح أولاً حجم المعركة التي تخوضها المملكة للتخلص من إرث يعود إلى الستينات وهجرة الإخوان للمملكة، وتتضح أهمية قرارات مثل فصل أمن الدولة عن وزارة الداخلية في ضمان تدفق المعلومات الأمنية لصانع القرار دون حجاب.

لن تكون المعركة سهلة تبعاً لتغلغل التنظيم في عدة مؤسسات، وتلون عناصره كما تفعل الحراب، ووجود دول إقليمية عدوة وداعمة لكل ما من شأنه الإخلال بأمن المملكة، ولكن الإرادة السياسية حاضرة بقوة، والوعي الوطني كبير بخطورة تلك الوجوه التي كانت توزع الابتسامات على الشاشات، والأخطر الممكنون من أمثال الجبري.