-A +A
منى العتيبي
تابعتُ وتابعت معي الأوساط المختلفة الأكاديمية والنخبوية والمحلية بعناية تامة استقلال ثلاث جامعات بعد صدور المرسوم الملكي بالموافقة على النظام الذي أقره مجلس الوزراء وأعلنه معالي وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ، وهي: جامعة الملك سعود بالرياض، وجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل بالدمام كمرحلة أولى، ولا شك أن اختيار هذه الجامعات لم يأتِ من فراغ أو بمحض الصدفة أو المحاباة؛ بل لعراقة هذه الجامعات ومكانتها العلمية العالمية التي ساهمت في بناء وطن وصنعت لها مجدها العلمي خلال مسيرتها التعليمية الأكاديمية. واستطاعت تحقيق العديد من المراكز المتقدمة ونافست جامعات عالمية في الإبداع والابتكار في البحث العلمي ومواكبة سوق العمل والمساهمة في بناء سمعتها الأكاديمية، وبالتالي كان لها قصب السبق في اختيارها في المرحلة الأولى لجاهزيتها بعد اجتيازها للمعايير والمؤشرات واستحقاقها لانطلاقة الاستقلال الذاتي.

ومنذ أن تدوال هذا القرار في وسائل الإعلام ومواقع التواصل تبادر إلى ذهني سؤال، ما الذي يجب أن تقدمه هذه الجامعات بعد استقلالها مادياً ومنحها التمكين والإبداع بعيداً عن المركزية والبيروقراطية؟ فأنا للأمانة أخشى أن تقع هذه الجامعات في مأزق المركزية والبيروقراطية، وأخشى كذلك أن تغفل عن مسيرتها في الإبداع والابتكار العلمي وتنشغل في كينونة استقلالها المادي بأي صورة كانت؛ لذلك من وجهة نظري أنه جاء الوقت لكي تستلم هذه الجامعات ملف «الابتعاث الخارجي»؛ حيث أرى بأن الوقت قد حان لأن تتجه بوصلة الابتعاث الخارجي إلى المحلية؛ فالدولة -أيدها الله- أنفقت بسخاء مئات الألوف على برنامج خادم الحرمين للابتعاث الخارجي وابتعثت شبابنا إلى شتى أقطار الأرض وفي أرقى وأقوى الجامعات العالمية وتكفلت بكل ما يخصهم خلال فترة الابتعاث لكي يعودوا لخدمة وطنهم والمساهمة في بنائه وتطوره.


والآن أرى بأن الفرصة متاحة أمام هذه الجامعات الثلاث للمبادرة وافتتاح فروع ومراكز للجامعات العالمية في بلدنا؛ فما الذي يمنع أن نرى فروعا لجامعات هارفرد أو أكسفورد أو كامبريدج أو شيكاغو ومانشستر على أرض الوطن؟! ويكون الابتعاث الخارجي لأبنائنا وبناتنا في حضن الوطن؟! ومنها تنخفض نسبة التكاليف للابتعاث الخارجي وتتاح الفرصة لعدد أكبر من أبنائنا للدراسة والابتعاث؛ خاصة أن من مضامين أهداف الابتعاث الخارجي سابقا هو الاختلاط بالثقافات والبلدان الأخرى، وفي عصرنا عصر التقنية والذكاء الاصطناعي والتعليم عن بعد لم يعد هذا الأمر مستحيلاً، فبإمكاننا أن نتجول العالم كله عبر تطبيق في جهاز ذكي.

وكذلك أرى بأن من الملفات المهمة المنتظرة من هذه الجامعات تلبية الشغف الموجود حالياً، الذي يتزايد كل مرة لدى أبناء وبنات الوطن من الخريجين سنويا في إكمال دراساتهم العليا بمرحلة الماجستير والدكتوراه، والحاصل سنوياً في جميع الجامعات هو قبول عدد ضئيل مقارنة بعدد المتقدمين؛ ناهيكم عن الشروط التعجيزية غالبا والمختلفة التي ينبغي أن يحققها المتقدم حتى يتم قبوله، وهذا الوضع يشمل أيضا البرامج المدفوعة القيمة من الدراسات العليا!.. لذلك وباختصار لكي تتجاوز هذه الجامعات بعد استقلالها أزمة عدم تلبية شغف أبنائها في إكمال دراساتهم العليا لابد أن تبادر لإيجاد برامج مبتكرة ومتنوعة للدراسات العليا برسوم دراسية متنوعة تشمل أبناء هذا الوطن وكذلك من الدول العربية والعالمية لِم لا؟! ليتحقق الهدف في إكسابهم العلوم المختلفة وتلبية طموحاتهم العليا ودعم موارد الجامعات مالياً.