-A +A
فواز الشريف
لست مهتما بالدفاع عن أحد مهما كان، ولست مسؤولا حول إقرار وجهة نظري على عقول الفتية مهما بلغت رجاحتها، لكنني أكتب من زاويتي، واعتدت أن تكون زاوية مختلفة، وإذا وجدت لاعبا أو مدربا أو مسؤولا يقلل من قيمة الإعلام الرياضي وأدبياته وأدواته فاعلم أنه يقصد الأشخاص لا المهنة، ويعني الأفراد لا العمل.

وإذا كنت إعلاميا رياضيا، أو رياضيا رياضيا، أو إعلاميا إعلاميا، أو مشجعا رياضيا، أو مشجعا إعلاميا، فإن من الأهمية بمكان قراءة هذه المقالة لمرة واحدة، حيث ستجد في ثناياها فسيفساء الإعلام الرياضي، أو بمعنى آخر «كتالوج» هذه المهنة التي قيل عنها مهنة المتاعب، ووصفت بالسلطة الرابعة، وعرفت بأنها من أرقى وأحدث المهن الإعلامية، بل من أرقى الآداب والعلوم الإنسانية، حيث أصبح روادها رجال ساسة وأصحاب مناصب عليا ومؤلفين وكتاب وأدباء إلى غير ذلك.


يقول السيديس جيجيا الذي سجل هدف فوز أوروجواي بكأس العالم لكرة القدم 1950 في مرمى البرازيل: «ثلاثة فقط جعلوا ملعب الماراكانا يصمت وتخفق الدموع في قلبه، البابا وفرانك سيناترا المغني الأمريكي الشهير وأنا».

ويقول الصحافي الإيطالي الشهير جياني بيريرا: «تلعب الصحافة الرياضية دورا اجتماعيا مهما؛ ومن دونها فإن كل إيطالي سيصبح جاهلا. لقد ساعدنا الناس أن يقرأوا».

وفي المقولتين صورة واضحة للقيمة العليا التي تمثلها الصحافة الرياضية وإعلامها وعلاماتها، فمقولة جيجيا بقيت راسخة لدى أجيال أمريكا اللاتينية بل ومحبي كرة القدم حتى يومنا هذا؛ لأن الإعلام سردها قبل 70 عاما، في الوقت الذي بلغ «الكالتشو» مبلغه من سمعة ومكانة نظير الدور الكبير الذي لعبه الإعلام الرياضي الإيطالي، وهو تأكيد أن احترام الرياضة للإعلام واحترام الإعلام للرياضة يخلق سمعة كبيرة وقيمة وأهمية للمسابقات والأندية والنجوم، وهو ما تفقده بعض المجتمعات ويسهم في تدهور سمعتها واستثماراتها وترويجها من كونها عالما مدهشا إلى تصويرها على أنها عالم غير جيد يعج بالكثير من المؤامرات والتشكيك وضعف الهمة والتواضع، بل الأدهى والأمر هو المرحلة التي تبلغها ثقافة الوسط الرياضي لتسمح للاعب أو إعلامي بالتجاوز والخروج عن دوره ومهمته الأصلية دون توقف.

إن الانحدار في القيم والآداب المهنية عموما وفي الإعلام الرياضي أو الرياضيين خصوصا أحد أهم عوامل الفشل في العمل، بل ويضع الجميع تحت مسؤولية واحدة تحتاج لمبادرة وطنية مهمة؛ لأن الأوساط الرياضية تتشكل من مجتمع كامل وهو ما تفقده أوساط الكيمياء مثلا أو الفيزياء.

لقد شكل الإعلام الرياضي منذ ستينيات القرن الماضي مدارس مختلفة وإيقاعات متنوعة لا تخرج عن الفسيفساء التي ذكرتها في مطلع كتابتي، لكن ذلك أيضا لا يلغي أن الإعلام الرياضي منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا أصبح وسطا قائما بذاته يمتاز، كما قلت، بالعديد من الأطروحات الراقية والخالدة والإنسانية.

يقول الكاتب الأرجنتيني خوان ساستوريان، أحد رواد أدب كرة القدم: «بداية من السبعينيات أخذ العالم ينظر للإعلامي الرياضي بصورة أفضل، أما الجديد في الثمانينيات هو دخول كرة القدم كأحد عناصر الإبداع الأدبي بصورة اعتيادية عن طريق الكتابة عنها».

الحقيقة نحن لم نجد الحل لإيقاف من يسيئ للإعلام الرياضي كمهنة ومسؤولية وفن، وأيضا لم نجد طريقة للحفاظ على نماذجه المضيئة التي ستدون واقعه الجميل وستصنع أجواء من المثالية تعيد للعبة حلاوتها وللساحة بهجتها وتسهم في رفع مستوى التسويق والترويج والاستثمار، وبالتالي سنبتعد كثيرا عن إيجاد الحل الأمثل لما يعرف بتطوير الرياضة ما لم نبدأ بإعلامها.