-A +A
أريج الجهني
«الأسوأ أصبح خلفنا» هكذا قال رئيس شركة أرامكو السعودية أمين الناصر خلال لقاء نظمته غرفة تجارة وصناعة الشرقية (اجتماع عن بعد)، توقفت كثيرا عند هذه العبارة وأعدت التفكير أين كنا قبل أربعة أشهر وأين أصبحنا، بفضل الله عز وجل سبحانه أولا ثم بفضل قادة الوطن والعقول والسواعد المخلصة، وجدت أن توثيق هذه العبارة قد يكون أكثر أهمية من المعلومات الكمية التي يعتادها المحللون الاقتصاديون وعشاق الأرقام، أنا هنا أحلل العبارة اجتماعيا، فالقائد الذي يمتلك هذه اللغة والأمل والعزيمة بالتأكيد سيمنح فريقه والمجتمع والمستفيدين داخليا وخارجيا القوة والثقة، نعم ففي أساسيات إدارة السمعة أن تتحدث بتفاؤل وتكون جزءا من الحدث وليس خارجه.

نعم قد تكون هذه الجائحة الأكثر قسوة وتعبا للكثير منا، ولعل هذه الفكرة (التجاوز) نحتاج أن نتبناها نفسيا واجتماعيا لننطلق للقادم، طبيعة النفس البشرية في بعض الأحيان أن تظل عالقة في ذاكرتها الأولى.. لهذا نجد التراث الإنساني بمختلف الثقافات مليئا بخرافات الحب الأول والطفل الأول والمشاعر الأولى التي نتيقن لاحقا أنها مجرد برمجات مجتمعية غير صحيحة ومرهقة للنفس.


نعم الأسوأ أصبح خلفنا سواء كانت مشاعر أو تجارب أو حتى أشخاصا، الجيد حسا ونبضا وشعورا سيرافقك حتى إن حالت نقاط التلاقي، هذه التركة الشعورية التي تركتها «كورونا» لعلها ترشدنا لنقاط قوتنا النفسية وقدرتنا العالية في التخلي والتجاوز وتغذية هذه الملكة، من كان يعلم أنه في يوم وليلة قد يغادر أشياءه اللطيفة وأماكنه المفضلة، قد تبدو هذه الفكرة خيالية قبل عام ٢٠٢٠، الآن تعلمنا وبشكل عملي أن التخلي فكرة قابلة للتطبيق والتعايش معها، الأهم الآن إعادة هيكلة مفاصل الحياة سواء من ناحية اقتصادية أو اجتماعية أو نفسية أو حتى عاطفية.

لا ضرر إن قلنا إن الحجر أضاف لنا بعدا ووعيا ماديا وهو التنازل ربما عن بعض المصاريف الجانبية، تحولت أشكال التعليم واكتساب المعرفة وتزايدت أعداد الدورات التدريبية، بل الكثير من الأشخاص حققوا عددا كبيرا في حضور الدورات والندوات وهذا مؤشر إيجابي، البعض الآخر اكتفوا بالتأمل والاسترخاء وهذا أيضا أمر رائع، تخلصنا من ثياب المثالية والأفكار الصلدة، ظهرت أنماط اقتصادية أكثر مرونة، ساهمت فيها التحولات في الحياة الاجتماعية التي بدأت تتخلص من أعباء المجاملات والبهرجة والتجمل، التحدي الآن هو في تنويع الدخل والعمل بمرونة وذكاء.

لعل السؤال الآن، ما الذي سيكون أمامنا، التخوف من المرحلة القادمة أمر مفهوم ولا بأس بقليل من القلق هذه طبيعة النفس بل هو أمر إيجابي ليدفعنا للعمل والأمل، كن شغوفا بما لديك.. امنح لكل ما تراه قيمة، تحدث للآخرين واصنع شبكة علاقات مهنية، لا تتردد في التوقف عن التواصل مع من يؤذيك أو لا يقدرك، كن حريصا في اصطحابك للأشخاص لأماكن جديدة فغالبا ما تنطبع ذاكرة الأشخاص على الأماكن التي نزورها معهم، فلا تأخذ بيدك إلا من تظنه قادرا على رؤية الجمال في مواطن نفسك ومن يؤمن دائما بأن «القادم أفضل».