-A +A
عبده خال
الذي أعرفه كوطنية حقة أن تقول رأيك داخل جغرافية وطنك، وتتحمل ردود آرائك، أما أن تكون خارجه وتمارس الطعن والتآمر ضد بلدك فهذه هي الخساسة.

ومن الذكريات التي رسخت في البال مقالة للشاعر والسينارست والمسرحي ممدوح عدوان نشرت في مجلة الناقد التي كانت تصدر من لندن، كانت المقالة بعنوان (فلقتونا حرية)، في منتصف الثمانينات الميلادية، وكانت موجهة لأبطال الكلام، وتزييف الوقائع، الذين يثورون الشعوب على أنظمتها، مطالبين تلك الشعوب بالثورة من أجل الحرية، بينما أولئك المحرضون يعيشون في عواصم الدول الأوروبية مرفهين بالمال والسيارات والسكن الفاخر، وليس لهم من عمل سوى المطالبة بالحرية التي لا يقدمون لها شيئا سوى الكلام التحريضي والكاذب.


وكانت مقالة الشاعر ممدوح عدوان تلوم تصرفاتهم وأقوالهم، تطالبهم أن يأتوا إلى أوطانهم ليطالبوا بما شاؤوا، فوجودهم داخل وطنهم يملكهم المصداقية أمام شعوبهم، ولأن للرأي ثمنا يكون من النبل أن تكون وطنيا داخل وطنك.. لا وطنيا بالتحريض على وطنك.

لذا وجدت مقالة (فلقتونا حرية) أصداء كبيرة بين المثقفين آنذاك؛ لما حملته من صدق، وكشف المستور لأولئك المحرضين من زيف مواطنتهم، إذ لا يمكن أن تكون وطنيا وتطعن في وطنك بحجة المعارضة، فالمعارضة في الداخل وليس أن تتحول خنجرا في أيدي أعداء وطنك، وحقيقة المعارضة حماية وطنك، أليست هذه هي حقيقة المعارضة؟

وجدت نفسي مشفقا على المعارضين المصريين المتجمعين في تركيا بقنواتهم وكلامهم الممجوج الذي طال كل الأوطان العربية، وكأنهم هم الوحيدون الذين يحملون أو يبشرون بالحرية لجميع الدول العربية.

هذه القنوات ومذيعوها، تخصصوا في شتم السعودية والإمارات ثم مصر، وكان من الأولى أن تكون وجهتهم مصر كونهم معارضين للنظام في مصر.

أما أن تكون السعودية هي لوحة لتصويب سهامهم ففي هذا بلادة، وبما أنهم معارضون لنظام بلدهم، فهو المستهدف في الأساس، بشرط أن لا تكون معارضتهم خادشة للأمن الوطني الإستراتيجي لبلادهم، إلا أن المعارضين المصريين -من خلال قنواتهم- يظهرون فرحا مبالغا فيه لما تواجهه مصر من أزمات اقتصادية، ومائية، وتهديد الأمن مع الحدود الليبية، وتفشي فايروس كورونا، كيف تفرح بالمصاعب التي يواجهها وطنك؟

وكيف تكون معارضا، وتتمنى لوطنك الدمار، وتساند، وتشجع أعداء وطنك كتركيا مثلا.

وفي حلقات متوالية لهؤلاء المعارضين المصريين، أظهروا الفرح الفج لما تجده بلدهم من أزمات خانقة في كل شيء.. والدرس الأول لأي معارضة هو معارضة النظام وليس سعيا لتقويض الدولة.. أحد أولئك المعارضين يطالب تركيا وإثيوبيا أن يكونا فكي أسد لالتهام النظام المصري!

وهو يعني التهام مصر عسكريا، وهذا المعارض الغبي -أو المستغبي- لا يفقه أن المعارضة هي في المقام الأول حماية الوطن!

رحم الله الشاعر ممدوح عدوان، ويبدو أن عنوان مقالته: (فلقتونا حرية) علينا ترديدها رحمة بمصر وما تجده.