-A +A
عبده خال
الحرب فجوة تشق ضلوع الزمن من أجل ابتلاع الشعوب، وحروبنا العربية خلّفت شعوبا سائحة في أرض الله تحت جميع خطوط: الفقر، والحاجة، والاستهانة، والتشرد، وقلة الحيلة.

تلقيت تقريرا صحفيا من أحد الأصدقاء لكي اطلع على خبر يوصف بأنه مرعب أو مقزز، خبر نشر بالمشاركة مع (الإندبندنت) كان المانشت: (كورونا يدفع عائلات سورية إلى تزويج قاصرات لأتراك من أجل المال)، ومع مواصلة قراءة الخبر، تجد في المتن جرحا غائرا لا يمكن لكل الحروب أن تعتذر عما فعلت من جرائم في شعوبها، الأم الكبرى لهذه الجرائم هي الحرب، فمنها تتناسل كل الكوارث الإنسانية.


وقد صدر التقرير عن منظمة (إنهاء دعارة الأطفال والاتجار بهم)، وهي منظمة مدنية تركية ساعية إلى ملاحقة تجار الجنس من خلال التقارير الصحفية، وهي ملاحقة إعلامية لا تملك دفع ذلك الاتجار أو الحيلولة عن هتك أولئك القاصرات.

في ذلك التقرير جاءت الأسر السورية في المقدمة لكون هذه الأسر بلغت حد العوز المجحف، الذي يدفع المرء إلى بيع نفسه، ولكي تعيش تلك الأسر اضطرت إلى تزويج بناتها القصر (بشكل رسمي وغير رسمي) من خلال سعي العائلات للتخلص من بناتها للتخفيف من أعباء إطعامهن مقابل حفنة من المال اليسير (فقط من أجل أن تأكل بقية الأسرة).. ولأن اللاجئين تحت ظروف قاهرة تواطأوا أو سهلوا للرجال الأتراك الزواج ببناتهم القاصرات خشية من فقدان الأوراق الرسمية التي تبقيهم كلاجئين.

وهناك معلومة مرعبة (يصمت عنها النظام التركي) بوجود أكبر عدد -عالميا- من الأطفال اللاجئين في تركيا، وهذه الأعداد الكبيرة تعتبر (خميرة) للجنس وتجارة الأعضاء، والتصدير لبقية الدول المجاورة.

وبعيدا عن السياسة وما يفعله أردوغان من حماقات، فإن الاتجار بالأطفال يعتبر وصمة عار لأي دولة تغض الطرف عنه، ولأن تركيا موقّعة على الاتفاقية العالمية في حماية الطفولة وعدم التميز كان عليها مهمة تكريم اللاجئين بما لا يمتهن إنسانيتهم أو يسلب منهم بناتهم القاصرات.. ربما ينهض أحد (الشهوانيين) مدافعا عن تلك (الزيجات) بأنها شرعية (خاصة مع وجود مد رجعي هناك) تكون الإجابة له: إن تطور البشرية يمكّن ولي الأمر من تقييد المباح (هذا إذا كان في الأصل مباحا)!

وعودة لبدء، فإن الحروب تفلق الأرض مظهرة جرفا سحيقا يصعب على الناس الخروج منه، فهي (الحرب) مطحنة لدق وسحق عظام الإنسانية.