-A +A
رامي الخليفة العلي
استطاعت مصر أن تفرض رؤيتها كأجندة دولية على الساحة الليبية، بدا ذلك من خلال المبادرة المصرية التي حظيت بدعم عربي من خلال اجتماع الجامعة العربية الأخير، إلا بعض الدول التي تدور في محاور إقليمية أو أنها لا تملك قرارها الوطني. ثم ما لبثت المبادرة أن حظيت بدعم قوي من قبل فرنسا التي عبر رئيسها إيمانويل ماكرون عن دعمه لتلك المبادرة ودعمه للخط الأحمر الذي أعلن عنه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ما بين سرت والجفرة. وبالتالي فإن الرسائل التي وصلت إلى حكومة السراج وكذلك إلى الحكومة التركية بأن ما أعلنه الرئيس المصري يجب احترامه وإلا! ولعلنا لا نذيع سراً إذا قلنا بأن هذه (الإ) وجدت ترجمتها على الأرض من خلال ضربات جوية عنيفة تلقتها المليشيات التابعة لحكومة السراج والتي حاولت الاقتراب من مدينة سرت.

بدت الدبلوماسية الفرنسية خلال الأيام القليلة الماضية نشطة للغاية في إطار الملف الليبي، فقد اعتبرت أن التطورات الأخيرة وخصوصاً التدخل العسكري التركي وإرسال المرتزقة السوريين إلى ليبيا، والتحرش بالقوات الفرنسية بالقرب من السواحل الليبية، كل ذلك يمثل لعبة خطرة يخوض غمارها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأن فرنسا لن تسمح باستمرار تلك اللعبة التي ستكون على حساب الأمن والاستقرار في المنطقة برمتها وعلى حساب قضيتين أساسيتين تقعان في سلم الاهتمام الفرنسي، محاربة الإرهاب وخصوصا في منطقة الساحل والصحراء، وكذلك ملف الهجرة غير الشرعية الذي يريد أردوغان أن يمسكه ويبتز من خلاله القارة العجوز كما فعل في ملف اللاجئين السوريين. لذلك عمدت فرنسا إلى استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد الذي أعطى تصريحات تخرج تونس نهائياً من المحور الذي أراد رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أن يدخل بلاده فيه. فقد أدرك سعيد بدعم فرنسي أن خطوة الغنوشي وانحيازه إلى أردوغان يعتبر خطوة متهورة وتدخل تونس في نزاع ستكون تكلفته باهظة على تونس وشعبها. كما عمدت فرنسا وإيطاليا وألمانيا إلى إصدار بيان مشترك يدعو إلى وقف إطلاق النار وتوقف التدخلات الأجنبية (في إشارة إلى تركيا). كما عمد الرئيس الفرنسي إلى إجراء محادثات مع الرئيس الروسي تجاوز الطرفان فيها خلافاتهما وأوجدا تفاهما يقف بالضد من السياسة التركية في ليبيا. اللقاء الفرنسي- الروسي وكذلك البيان الإيطالي- الفرنسي- الألماني ضيق هامش الخلافات الدولية التي نفذ منها الرئيس التركي. وأخيرا جاء الموقف الأمريكي الذي تبدى في نقطتين: الأولى بيان وزارة الخارجية الأمريكية الذي دعا إلى وقف إطلاق النار، والثانية تفكيك الميليشيات في تبنٍّ واضح للرؤية الدولية التي كرستها فرنسا على أكثر من مستوى.


باستثناء الزعبرة التي نسمعها دائما وعادة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فإن تركيا في ليبيا تبدو معزولة ومذمومة، أما رهان خروج المحتل التركي فلا يمكن التعويل فيه على المواقف الدولية بل هي إرادة الشعب الليبي التي أثبتت تاريخياً أنها لا تقهر.

باحث سياسي

ramialkhalife@