-A +A
نجيب يماني
من الطبيعي والمعقول تماماً أن يجد قرار المملكة العربية السعودية بقيام شعيرة الحج هذا العام بأعداد محدودة جدّاً من الجنسيات المختلفة المقيمة في داخل المملكة، التأييد والتعاضد والمساندة والقبول من العالم أجمع، لما أنطوى عليه من معانٍ سامية، واتساق مع الجهود الدولية في محاصرة جائحة كورونا المستجد، ففي هذا القرار تجلّت حكمة قيادتنا الرشيدة وبعد نظرها في التوفيق بين ضرورة إقامة هذا الركن الإسلامي، وعدم تعطيل هذه الشريعة، وفي المقابل تحقيق المقاصد الإسلامية العليا بحفظ الأنفس، وعدم تعريضها للتهلكة والخطر، ولهذا جاء القرار مراعياً لهذين البعدين.

ومما أشاع الاطمئنان، وأعطى هذا القرار بعده الإنساني العالمي تأكيد المملكة، ممثلة في وزارة الحج والعمرة، أنها قد أعدت خطة استثنائية لموسم حج هذا العام، بالتنسيق مع وزارة الصحة، بما يرسخ من مفاهيم التباعد الاجتماعي المطلوب وفق الإجراءات الاحترازية والوقائية المعمول بها عالمياً وتقليص مخاطر نقل العدوى استشعاراً بحجم المسؤولية تجاه مسلمي العالم. واتفاقاً مع تعاليم الدين الإسلامي العظيم.


أيدت دراسة أعدها معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة قرار إقامة حج هذا العام، وإمكانية تنظيم الحج في زمن الأوبئة في ظروف صحية آمنة تحقق أداء الحجاج لنسكهم بسلامة ويسر.

إن التنسيق المضمن في الخطة الاستثنائية سيضمن -بإذن الله- تفويج الحجّاج بسلام وطمأنينية، بما يمكنهم من أداء مناسكهم على الوجه الأمثل، وفي ذلك رسالة إضافية لقدرة المملكة على إدارة الحشود أيّاً كان حجمها حتى في أحلك الظروف، وأكثرها حرجاً..

إن التأييد الذي حظي به هذا القرار الصائب الحكيم من المملكة، تجاوز الدول والمجتمعات والمنظمات الإسلامية، إلى نطاق عالمي أوسع، منظوراً في تأييد أمانة الأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، وبعض البلدان، التي رأت فيه بعداً قيادياً رفيعاً، مستشعرة في تأييدها ما قامت به المملكة من إجراءات وقائية كانت مضرب المثل، ومحل الإشادة والتأييد والتقريظ، مؤكدة في الوقت نفسه قدرة المملكة على تنظيم شعيرة الحج بكل مقدرة عالية، وضمان سلامة الحجّاج بأعلى درجة الاحتراز والوقاية المطلوبة..

وبمثل ما كان طبيعياً أن يتوافق العالم كله على صواب وحكمة ورجاحة المملكة في هذا القرار، كان طبيعيّاً أن تشذّ «الدولة الصفوية» عن هذا الإجماع الإسلامي والأممي، وترى في القرار «صدّاً عن بيت الله»، و«تعطيلاً لشعيرة الحج»، في سياق من مبررات كوميدية، تبعث على الضحك والسخرية من هذه العقول التي يغشاها السواد من كل جانب، ويعمّي عليها الحسد رؤية الشمس في رابعة النهار.

ولسنا هنا بصدد مناقشة ما ساقته الدولة الفارسية، ونظام الملالي القابض على أنفسها، من حجج، فإنها أوهى من أن تصمد أمام النصوص الشرعية القاطعة التي تساند المملكة في موقفها، ولكن في مقابل ذلك نجد أن هذا الموقف يكشف بجلاء إلى أي درك يمكن أن يسقط الإنسان حين تتلبسه نوازع الحقد، وتسري في دمائه سموم الحسد، فلا يعظّم إلا ما يراه، ولا تحلو له الحياة إلا إذا خالف بقصد الخلاف لا أكثر، حتى إن كان ذلك ضد مصلحته، أو عكس فائدته.

على أي حال، فإن هذا الموقف من نظام الملالي مفهوم ومتوقع فـ«الشيء من معدنه لا يستغرب»، وطالما بقيت قلوبهم معصوبة بهذه العصابات السود فلا رجاء في اعتدال، ولا أمل في إصلاح، فـ«عين الرضا عن كل عيب كليلة لكنّ عين السخط تبدي المساويا»..

وكعادتها لم تجد «قناة الجزيرة» في كل هذا الإجماع العالمي لقرار المملكة حيزّاً في أخبارها، بقدر ما وجدت لصوت النشاز الإيراني مساحة من الإشارة والتنويه، فاجتمع في ذلك «التعيس وخايب الرجا»، وحقّاً «إن الطيور على أشكالها تقع»!

إن قرار المملكة إقامة حج هذا العام بأعدد قليلة جدّاً، لمختلف الجنسيات من الداخل مع توفير كافة الضمانات الصحية المطلوبة وفق الاحترازات العالمية، سيظل نقطة مضيئة، ودرساً جديداً تقدمه المملكة الفتية وقيادتها البصيرة، وستكون فرصة سانحة للعالم أجمع ليتعلّم الكثير من الدروس في الحفاظ على النفس ورعاية الحقوق الإنسانية وكيف تدار الحشود في الأزمات، وتمكينها من أداء مناسكها بكل يسر واطمئنان.

إنه تاريخنا الذي يمتد ولا ينتهي ويتكرر ولا يقف عند زمن.. سائلين الله التوفيق والسداد لوطننا وقيادتنا الرشيدة، وأن يجنبه شر حساده الحاقدين الموتورين.

كاتب سعودي

nyamanie@hotmail.com