-A +A
محمد الساعد
هو صراع على النفوذ والأموال وليس على تنفيذ الأجندات، وضاح خنفر وعزمي بشارة كلاهما من أصول فلسطينية ولديهما النفس العنصري ضد عرب الجزيرة ويمثلان كذلك الأيدولوجيا الشيوعية الإسلاموية المسيحية التي تشكل المشهد الفلسطيني وتسيطر عليه وتوحد أهدافه وأعداءه، وعلى رأس الأهداف السعودية لأسباب عديدة من أهمها أنها تمثل «الإسلام العربي» الذي يقف معظم عرب الشمال ضده.

أسباب الخلاف الأخرى وإن كانت فرعية إلا أنها تمثل التنافس البشري على المال والنفوذ والنساء، وكان محوره الأساس القرب من قصر الوجبة، والسيطرة على أموال الإعلام وخاصة الجزيرة بكل ما فيها من موارد و«حرملك».


في عام 2003 وفي رحلة من الدوحة إلى كولالمبور تعرف حمد بن خليفة أمير قطر السابق على متن الطائرة الأميرية على وضاح خنفر، لم يكن وضاح غريبا على القطريين فهو مراسل الجزيرة من جنوب أفريقيا، إلا أن أحدا لم يتوقع أن ذلك المراسل البعيد عن العواصم الملتهبة يكون هو رئيس قناة الجزيرة القادم.

بالتأكيد لم يكن اللقاء مصادفة فقد اعتاد أمير قطر أن يرافقه صحفيون محسوبون على الدوحة، وخصوصا مع فقر قطر الثقافي وانعدام وجود صحفيين لهم قيمتهم من المواطنين، كان إعجابا من أول نظرة، ففي ذلك العام بالذات دخلت قطر في منعطف هام في تاريخها مع تعاظم مداخيل الغاز الذي ارتبط بجنون وطموحات حمد غير المشروعة.

كانت قناة الجزيرة بتركيبتها الإخوانية القاعدية الثورية ملاذ حمد وبرميل نفاياته السياسية، ووجد في وضاح التركيبة التي تتطلبها الجزيرة، الأيدولوجيا الإخوانية والأصول الفلسطينية الثورية.

وضع خنفر أهم قواعد عمل الجزيرة التي لا تزال تسير عليها لليوم، تبني الخط القاعدي الإخواني، والتحالف مع قوى اليسار والشيوعيين، وتمهيد الأرض للثورات والانقلابات في البلاد العربية، كما مكنها من أن تكون ذراع تشويه واغتيال معنوي لكل خصوم الدوحة.

استطاع خلال أشهر فقط أن يحولها إلى جناح إعلامي للقاعدة التي نشطت في تفجيراتها في السعودية في نفس العام الذي ترأس فيه الجزيرة 2003، إضافة إلى الحرب في العراق وأفغانستان، ليس هذا فقط بل تحولت قناته إلى استديو خلفي لإنتاج أشرطة أسامة بن لادن والزرقاوي والظواهري.

تضخمت علاقات ونفوذ خنفر وتجاوزت قطر بكبرها، وصار مدير المخابرات الأمريكية يطلب لقاء وضاح قبل أي مسؤول في حكومة الدوحة، وأضحت الجزيرة تلعب دورا أكبر من قناة وأقرب إلى دولة رئيس وزرائها وضاح خنفر.

لم يكن يتخيل خنفر أن شهر العسل على وشك النفاد، وعلى يد عزمي بشارة الذي سيطيح به قريبا، وسنرى ذلك لاحقا، ففي العام 2007 بدأ عرش وضاح يتزلزل من تحت قدميه، مع وصول بشارة إلى الدوحة قادما من تل أبيب.

لم يكن وصول عزمي مصادفة ولا اختياره الدوحة مضطرا عليها، لكنه جزء من الاتفاق السري بين الحكومة الإسرائيلية والقطرية بضرورة وجود «ضابط اتصال» رفيع بينهما يكون قادرا على نقل وجهات النظر وقيادة المشروع المشترك.

في تلك الفترة بدأت ولادة قطر «أم المتناقضات»، فهي الإمارة الملكية التي تعارض أي مد ثوري يصل إلى أراضيها، وفي الوقت نفسه تؤيد الثوريين والشيوعيين والانقلابيين الإسلاميين، وتتحالف مع أمريكا وتمول عملياتها العسكرية ضد العراق وطالبان وترسل رسائل الود لصدام والملا عمر.

وفي الوقت الذي كان عزمي بشارة يؤثث فلته الفاخرة في الدوحة ويجهز لمشروعه القادم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، كان على الناصية الأخرى من الشارع بيت ومكتب يوسف القرضاوي الذي أسس في قطر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين العام 2004.

وجد وضاح خنفر نفسه متراجعا أمام تعاظم مكانة عزمي بشارة وقربه من حمد بن خليفة وأصبح الاثنان يتنافسان على قلبه وجيبه، لكن عزمي انتصر أخيرا بسبب جنسيته الإسرائيلية وعلاقاته مع الموساد.

كانت الضربة القاصمة والفخ الذي جهز لوضاح خنفر، هروب خمس مذيعات من جميلات الجزيرة من الدوحة العام 2010 بعدما اشتكين من مضايقات لا أخلاقية داخل القناة، فضيحة من العيار الثقيل زلزلت عرش وضاح خنفر.

حاول خنفر إخفاء الأمر وقام بعمل تحقيق داخلي وحملهن مسؤولية الشكوى، لكن كرة الثلج التي عصفت بحرملك الجزيرة ابتلعته في نهاية الأمر ليخرج من قطر ومن الجزيرة العام 2011، ليخرج من الجزيرة يجر أذيال الهزيمة، ويعلن بعدها عزمي بشارة سيد الإعلام القطري بجناحيه الإسلاموي محطة الجزيرة، والقومي قناة «العربي».

كاتب سعودي

massaaed@