-A +A
طارق الحميد
علينا تأمل المثال التالي لفهم القصة، تركيا عضو لحلف الناتو، حلف شمال الأطلسي، ودعنا نقول إن الناتو هو عبارة عن مجلس إدارة شركة للاستقرار، مهمتها التصدي للمخاطر، ومنها الخطر الروسي على أوروبا، وأمريكا.

إلا أن الملفت هنا هو أن تركيا أيضا عضو تحالف روسي - تركي - إيراني في سوريا، وهذا ليس كل شيء، بل إن الروس والأتراك أقرب إلى التفاهم في ليبيا، أو قل لم تقطع شعرة معاوية بينهما هناك للآن، وفوق هذا وذاك نجد أن تركيا، العضو في الناتو، هي من اشترى منظومة صواريخ اس ٤٠٠ من الروس.


أي أن تركيا عضو في مجلس إدارة شركة الاستقرار، وعضو مجلس إدارة أيضا في شركة الدمار، فكيف يمكن فهم ذلك؟ كيف يمكن أن تكون تركيا عضو مجلس إدارة الاستقرار، وهنا نتحدث عن الناتو، ثم تكون تركيا نفسها، عضو مجلس إدارة الدمار، وهنا الحديث عن تحالفها مع الروس، في سوريا، وتقريبا ليبيا؟

أوليس في ذلك تناقض، وتضارب في المصالح الأمنية، والسياسية؟ أم أن الناتو لم يعد يمثل تلك الأهمية، على الأقل للرئيس ترمب، مثلا؟ وإذا لم يكن يمثل أهمية للرئيس الأمريكي الذي سبق له أن قلل من قيمة التحالف إبان حملته الانتخابية، واتهم أوروبا كونها تريد الحماية، والانتفاع، من الناتو دون أن تدفع المستحقات المالية، فما هو الموقف الأوروبي حيال تركيا عضو النيتو، وحليف الروس؟

المؤكد أن هناك سيولة بالمواقف تجاه الناتو، ولم يعد من الواضح إذا ما كان الحلف لا يزال مهما للأوروبيين، مثلا، أو إذا ما كانوا يقبلون بأن تكون لتركيا عضوية مزدوجة مع الناتو والروس.

والأسئلة كثيرة بالطبع، وجل المصادر التي تحدثت معها تقر بعدم وضوح الرؤية، مثلا، هل يقبل الأوروبيون بليبيا المحتلة من الأتراك؟ كل المؤشرات تقول هذا مرفوض أوروبيا. وهل يقبل الأوربيون بليبيا محتلة من الروس؟ هذا أيضا مرفوض أوروبيا. حسنا، هل من مصلحة الأوروبيين الفراغ في ليبيا؟ هذا خطر على أوروبا أيضا. إذن ما الحل؟

لا أجوبة شافية، وللآن لم يتحرك الروس بشكل واضح في ليبيا، وعلينا أن نتذكر بأن الرئيس الروسي لم يشكُ علنا قط من الخديعة السياسية، كما شكا بعد أن وافق على تمرير قرار مجلس الأمن تجاه ليبيا، الذي على إثره تم ضرب ليبيا عسكريا، وإنهاء القذافي. فهل يبلع الطعم بوتين في ليبيا مرتين؟ أسئلة لا أجد لها إجابة، كما لا يمكن تجاهلها؟

كاتب سعودي

tariq@al-homayed.com