-A +A
نجيب يماني
ضربت المملكة العربية السعودية أروع الأمثلة وما زالت في التعامل الإنساني الراقي مع هذه الأزمة التي ضربت أركان الأرض قاطبة فأربكت الحياة، واستلبت الأمن وأثارت عواصف من القلق والألم والشك والحيرة. أزمة مسببها شبح غير مرئي استطاع أن يبعثر كل أوراق العالم، وينزع كل الأقنعة ويعري دولاً وكيانات وإمبراطوريات كنا نحسبها عظيمة عصية.

تعاملت حكومة المملكة مع هذه الجائحة بكل حكمة وقوة واقتدار، ونظرت إلى المواطن والمقيم نظرة إنسانية بحتة، تجلت فيها نظرية العقد الاجتماعي التي تنص على أن السلطة في المجتمع تعني التنظيم الجيد لمجموعة من البشر بحيث يتحول هذا المجتمع إلى مجتمع يتمتع أفراده بالحياة الآمنة الكريمة، وهذا ما قام به ولي الأمر حفظه الله، فحقق للإنسان على هذه الأرض حياة كريمة متوازنة باتخاذه العديد من القرارات الاحترازية التي حافظت على سلمه وأمنه وغذائه ودوائه، مضحياً بالكثير من المكتسبات الاقتصادية في سبيل مواجهة هذه الجائحة والقضاء عليها بإذن الله، مراعياً الحفاظ على النفس البشرية كضرورة من الضرورات الخمس التي نصت عليها الشريعة الإسلامية وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وإن كان بعض الفقهاء قدم النفس على سائر الضروريات الأخرى، فحفظ النفس البشرية يعتبر المقصد الأول والضروري للشريعة ويعني حفظ الأرواح من التلف إفراداً وعموماً في الحياة والسلامة والصحة والكرامة. لذا فقد تعاملت المملكة بكل حرص مع هذا الوباء واتخذت قرارات عدة قاسية بهدف الحفاظ على صحة الإنسان ومكتسباته والتخفيف من آثار هذه الأزمة وتبعاتها في الحاضر والمستقبل، وقدمت كل ما من شأنه خدمة المواطن والمقيم والمحافظة على سلامة الإنسان وصحته.


أمرنا الله بأن نتعاون على البر والتقوى وأن لا نتعاون على الإثم والعدوان وهذه وصية جامعة لكل خير للإنسانية، كما يقول ابن حزم الذي جعل من هذا الأمر طريقاً للوصول إلى القاعدة الفقيهة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)، فذهب إلى أن كل مسلم ولي لكل مسلم وأنه مأمور في النظر له بالأحوط وبالقيام له بالقسط وبالتعاون على البر والتقوى، ويتجلى هذا البر في إطاعة كل الإجراءات الاحترازية وتنفيذها بإخلاص. فالمصلحة إن وافقت مقاصد الشرع كانت مطلوبة، ومن المصلحة اليوم طاعة ولي الأمر في كل إجراء احترازي تم اتخاذه وإعلانه للعامة وعدم مخالفته بأي وسيلة كانت.

لقد أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان في كلمته أول شهر رمضان «إن توكلنا على الله وعملنا بالأسباب يتطلب منا مواصلة العمل الجاد في هذا الوقت الصعب والالتزام بما يصدر من الجهات المختصة من تعليمات وإرشادات هدفها سلامتكم والمحافظة على صحتكم في سبيل مواجهة هذه الجائحة».

إن كرامة الانسان اعتمدت في الأساس على النفخة الروحية التي أضافها الله سبحانه وتعالى إلى نفسه والتي شكلت مع العنصر المادي الحقيقة المزدوجة للإنسان فهذه الإضافة إلى الله توحي بالرفعة والسمو والتكريم والاستخلاص الإلهي العظيم للإنسان يقول الله: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)، ومن مقتضيات هذا التكريم منحهم الحقوق اللائقة بهم وتوفير سبل العيش الكريم لهم، والمحافظة على أرواحهم، وهذه الحقوق تسهم في تحصيل المصالح ودرء المفاسد والأضرار عنه.

يقول الحق: (ثم سواه ونفخ فيه من روحه) وهي كرامة عامة تشمل الناس أجمعين دون النظر إلى أعراقهم أو معتقداتهم. ونحن نعيش أيامنا مع هذه الأزمة وتداعياتها ندرك موقف المملكة حيالها ولماذا وضعت قيادتها الحكيمة الإنسان نصب عينيها وأنه يأتي أولاً وقبل كل شيء فحافظت على كرامته وإنسانيته ووفرت له احتياجاته دون النظر إلى أرقام الربح والخسارة مبدية حرصها على أبنائها ومن يعيش على أرضها والنتيجة أن معدل انتشار عدوى الفايروس بدأ في الهبوط مقترباً من منطقة الأمان مستبشرين خيراً بإجراءات القيادة سلمان الحزم والعزم ومحمد الخير الذين طبقوا روح الشريعة السمحة وخيرها للإنسان مراعين الرخصة والتيسير على المسلمين دون أن تصادم إجراءاتهم نصاً ثابتاً ولا قاعدة شرعية قاطعة.

* كاتب سعودي

nyamanie@hotmail.com