-A +A
رامي الخليفة العلي
لم يتخيل العالم حتى في أسوأ كوابيسه أن يعيش فترة حرجة كالتي يعانيها في هذه الأيام، فايروس لا يُرى بالعين المجردة أجبر معظم سكان العالم أن يختبئوا في بيوتهم، فبدت كُبريات عواصم العالم مدن أشباح. كان يخيل لنا أن الإنسان وصل إلى مرحلة من التطور والتقدم التقني والعلمي بحيث أحكم سيطرته على الطبيعة وبات يطوعها كيفما يشاء. لا بل وصل الأمر إلى تغيير الموازين واللعب بدرجات حرارة الكوكب. لم يكن أي شيء ليقنع هذا المخلوق الذي كرمه الخالق بأن قدراته محدودة وبأن عليه التواضع قليلا. أنشأ الإنسان أنظمة صحية وأبنية إدارية ومنظومات حوكمة وطنية غيرت حياتنا ربما إلى الأبد. كنا على قناعة شبه مطلقة بأننا ندلف إلى مستقبل نملك مفاتيحه. ومع كل هذا التطور غفلنا أو تغافلنا عن الاهتمام ببيئتنا ومحيطنا الطبيعي ورحنا ندوس كبشر على سلسلة القيم التي يفترض أن البشرية قد وصلت إليها. بدأ الإنسان جبروته ضد أخيه الإنسان، فاندلعت الحروب والصراعات تجتاح قارات العالم القديم والحديث، قتل وتدمير وتشريد مارسه الإنسان ضد أخيه الإنسان، عالم غاب فيه العدل وساد فيه منطق القوة بدلا من قوة المنطق. إلا أن الأمر لم يقف عند انهيار مبدأ التعايش بين البشر والإحساس بأن مصير الجميع مرتبط بمصير الجميع، بل راح الإنسان يستنزف الطبيعة إلى أبعد الحدود. فالإنسان لم يعد يعبأ حتى بمصيره وراح يلوث الطبيعة إلى أقصى الحدود، اجتماعات ومؤتمرات واتفاقات هدفت إلى تخفيف التلوث ولو بنسب ضئيلة ولكن عبثا كانت تحاول البشرية فعل ذلك. طمع الإنسان وأنانيته كانت أكبر من أي اتفاق، الأسوأ أن هناك مشاعر بدأت تطفو إلى السطح ترى أن البلدان ما هي إلا قلاع محصنة وأن ما يحدث خارجها لا يهمنا ولا يجب أن يهمنا.

البشرية كانت بحاجة إلى درس قاس لا تنساه لعلها تأخذ منه العبر، فما بين طرفة عين والتفاتتها ظهر فايروس كورونا ليظهر ضعفنا وقلة حيلتنا وهشاشة أنظمتنا الصحية والإدارية. من كان يتخيل أن فايروس يصيب رجلا في سوق شعبي في إحدى المدن الصينية فيؤدي إلى سعال وارتفاع في درجات الحرارة، سوف يجعل العالم بعد أسابيع قليلة يقف على قدم واحدة، وسوف يصيب اقتصاد العالم بالشلل وسوف يمتحن كل التقدم البشري ويسبقه بخطوات حتى الآن. أمل البشرية أن يصل العلماء والخبراء سريعا -إن شاء الله- إلى علاج ومن ثم لقاح يحميها من هذا الكابوس القابع على مقابض أبوابنا وسلالم بيوتنا وخلف كل حجر وشجر. ولكن هل هذا وحده كاف ليتعافى العالم، أشك في ذلك، فإذا لم يستطع العالم أن يقرأ الدرس جيداً فإن الكوارث سوف تتلاحق، حتى ما قبل كورونا كان العالم يعاني احتراق غابات الأمازون واحتراق البراري في أستراليا، فهل سوف يستفيق العالم هذه المرة. سؤال لا أملك إجابته ولكن ما أنا متأكد منه أن العالم ما بعد فايروس كورونا لن يكون كما قبله.


* باحث سياسي

ramialkhalife@