-A +A
بدر بن سعود
العالم تحـــول إلى مـدن أشبـــاح متناثرة، وأصبحت أرقــام الإصابــات والوفيـات بفيروس كورونا تعرض بطريقة البورصة، وتسجل ارتفاعاً أو انخفاضاً في كل دقيقة، واشترك معظم الناس في إجازة منزلية إلزامية تعتبر الأولى من نوعها في التاريخ الإنساني، وأغلب ما كان مجدولاً تم إلغاؤه أو تأجيله أو تعليقه بصفة مؤقتة، وساهم في انتقال الفيروس من خانة المرض الوبائي، إلى خانة الكائن السياسي والاقتصادي الأهم.

كورونا الجديد قدم خدمات جليلة لم تكن ممكنة بدونه، فقد كرس لنظرية المؤامرة التي يفضلها بعض العرب كحل جاهز لمشاكلهم الصعبة، وجاء متوافقاً مع أكثر من 160 فيلماً سينمائياً تناول فكرة الفيروسات المخلقة، وقدرتها على الدفع باتجاه دمار شامل يهــدد الوجود الإنســــاني، وبدأت حرب تصريحـــات بين أمريكا والصين، طرح خلالها ملف السلاح البيولوجي، بعد أن ربط محللون بين الإعلان عن أول إصابة بالفيروس في ووهان في 2 نوفمبر 2019، وزيارة وفد عسكري أمريكي لنفس المدينة في 19 أكتوبر للمشاركة في احتفالات عسكرية، وبين التاريخ الأول والثاني 14 يوماً، تمثل فترة حضانة الفيروس.


كما أن الانتهازية السياسية لم تفوت فرصة انشغال العالم بكورونا، فقد استثمرها نتنياهو في تهويد مدينتي القدس والخليل وتغيير تركيبتهما الديموغرافية، وفي ضم المسجد الأقصــــى إلى الحرم الإبــراهيمي، وفي حرمان عرب 48 من حقوقهم السياسية، ورفض مشاركتهـم في حكومة طـوارئ وطنية لمواجهة كورونا، رغم فوزهم في انتخابات الكنيست، ومع أنهم يشكلون ما نسبته 20 % من مواطني إسرائيل، واستخدمتها إيران في وقف المظاهرات ضد حكم الملالي، وتعمدت حجز خصومها في عنابر مع أشخاص مصابين، ووظفها أردوغان كمظلة لقمع مخالفيه واستغلالهم في الداخل والخارج.

بالإضـافة إلى وجـود سـوق سـوداء في الـدول المتضـررة، ومن بينها المملكة، عملت على التربح من الأزمة الفيروسية، وبيع الكمامات الطبية بأسعار مبالغ فيها، أو أنها تبيع نوعيات رديئة من الكمامات ومواد التعقيم، علاوة على ترويج شائعات تحرض الناس على شراء المنتجات الاستهلاكية وتخزينها بكميات كبيرة، والهدف هو تحقيق أرباح عالية أو تصريف بضاعة فاسدة، وأمريكا والدول الأوروبية المؤثرة وربما الصين، تحاول احتكار لقاح فاعل ضد الفيروس، وقد يكون جاهزاً وينتظر وصول أعداد المصابين إلى أرقام مليونية، ومن ثم تبدأ الدول المالكة بفرض شروطها وأسعارها على غيرها.

يبقى أن كورونا الجديد غيّر في قواعد اللعبة السياسية والاقتصادية، ولولاه لما طلبت تايوان الاستقلال عن الصين بحجة التمييز ضدها في الرعاية الصحية، ولما دخل الاقتصاد العالمي إلى غرفة الإنعاش، ولما أجبرت إيران على طلب قرض بقيمة 5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، للمرة الأولى في تاريخ دولة الملالي، ولما علّقت داعش عملياتها الإرهابية في أوروبا.