-A +A
بشرى فيصل السباعي
إن كان هناك من علاج سحري لكل معضلات العالم التي تحول جنة الدنيا إلى جحيم فهذا العلاج سيكون اسمه «العلاج بالحقيقة الحقيقية» فكل معضلات العالم سببها القناعات المخالفة للحقائق الحقيقية، وغالب ما يعتبره الناس أفرادا وجماعات أنه يمثل الحقيقة هو بالواقع يمثل فكرتهم وتصورهم الشخصي والجمعي اللاواعي والمنحاز عن الحقيقة المفترضة وليست الحقيقة الحقيقية، والناس لا يحبون الحقيقة الحقيقية كما أنهم لا يحبون ساعة المنبه التي توقظهم من نومهم، حتى أن الأطباء ينصحون أهل المصاب بمرض «المشي أثناء النوم» أن لا يحاولوا إيقاظه أثناء مشيه لأن هذا يجعله يرد بشكل عنيف لأنه لا يميز بين من يحاول إيقاظه لتجنيبه أخطار المشي أثناء النوم وبين من يعترض طريقه ليؤذيه، ولهذا ردة الفعل الفردية والجماعية على أصحاب الوعي بالحقيقة الحقيقية هي دائما سلبية وعدوانية لأنه كما قال الإمام علي بن أبي طالب «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا -أي استيقظوا-»، فالحقيقة الحقيقية دائما وأبدا لا تحابي أي أحد وهي مضادة للعصبيات والعنف والغرور والتجبر والعدوانية والإكراه والظلم والاضطهاد والضرر وكل ما هو سلبي، وكمثال للتحقق من مدى حب أو بغض الناس للحقيقة الحقيقية؛ اعرض عليهم نتائج الدراسات العلمية التي تثبت الآثار المدمرة للعنف الأسري والاعتقاد بدونية المرأة مع ما يترتب على إقرارهم بهذه الحقيقة من التزام ذاتي بالامتناع عن تلك الأنماط السيئة لتجنب آثارها المدمرة، وبالطبع أصحاب الانحيازات الذكورية وممارسي العنف سيرفضون هذه الحقيقة لأنها تضاد أهواءهم في الاستبداد بأهلهم بالعنف والإرهاب والظلم، فالإقرار بصحة الحقيقة المثبتة يولد تلقائيا التزاما ذاتيا لدى الإنسان بالتصرف وفق مقتضيات تلك الحقيقة، بينما إنكار صواب الحقيقة الحقيقية يوهم الأشخاص أنهم غير ملزمين بتبعات الإقرار بتلك الحقيقة، ثم إن الإقرار بالحقيقة يلزم صاحبه بالفاعلية التي يكسل عنها الكثير من الناس الذين يريدون الاستمرار بكسل النوم أي البقاء مسيرين بتيارات وقوالب وعوامل واقعهم اللاواعي كحصاة في تيار نهر جار، بينما الإقرار بالحقيقة الحقيقية يلزم صاحبه غالبا مشقة السباحة عكس التيار السائد، وفوق هذا ولأنه ضد التيار السائد لا يمكنه توقع أن تتم مكافأته بالمغريات المادية والمعنوية، لكن في عصر العلم التمحيصي وتوفر النظريات والمعلومات الصحيحة في كل المجالات بضغطة زر ما عاد هناك من عذر يمكن لخصوم الحقيقة الحقيقية التحجج به أمام الله والناس والتاريخ، وأيا كانت حججهم فهي باطلة لأن الحقيقة أن محركهم هو؛ فقط الأهواء الأنانية الغرائزية اللاواعية.

* كاتبة سعودية


bushra.sbe@gmail.com