-A +A
علي بن محمد الرباعي
كان القرويون إبان الحياة في بيوت الحجارة إذا تملكهم الخوف بسبب حادثة تعجز قدراتهم عن استيعابها، أو في حال موت أحدهم، يحتشدون في بيت أحدهم «يتساكنون» باللهجة الدارجة، ليقتلوا رهبة الحدث بالاستئناس ببعضهم وإن كان محور أحاديثهم ما أفجعهم وأفزعهم، والعالم اليوم قرية أو بيت أو غرفة مزدحمة بمشاعر هلع بسبب فايروس. كل فرد يسابق غيره في تلقف ما يزيل خوفه ويحل موضعه بشارة طمأنينة.

ربط القرويون بين السنين والأحداث بأوصاف لا تمحى من الذاكرة «سنة الحُمرية، الجراد، القِتْله، و...»، وكانت الأعوام العجاف بقدر ما هي مرهقة للبسطاء والكادحين تمثّل سنوات رخاء لتجار الأزمات ومنتهزي الفرص.


لم يمر قرن على البشرية دون إلحاق متاعب بأهله، و«كله بأجره» كما يقال. وُصف القرن الـ20 بالأكثر دموية. كما نُعت بالأفضل في منجزاته وكشوفاته. قامت فيه 130 حرباً. وقُتِل ما يزيد على 120 مليون إنسان. وهو عدد يفوق عدد من قُتِلوا في كل الحروب قبل عام 1900. لكنه أحيا أمما ودولا بالعلم والفتوحات المعرفية.

جزء من العالم متمكن متفوق بذاته وخصائصه في السياسات والصناعات والتخطيط للحروب بسطوة جموحة، وجزء آخر يتحول مسرحاً لاستعراض القوى ومجابهة الموت بصدور مفتوحة.

القوة فضيلة لكنها عند تسخيرها للأذى تتحول إلى رذيلة، والعلم أشرف ما يحوزه إنسان إلا أن تحويره للشر والقهر يحيله إلى لعنة وعقاب.

لا يدرك البعض أن أكثر من 5 ملايين نوع من الكائنات تعيش معنا على كوكب الأرض. الإنسان هو الوحيد الذي عندما يساء إليه يتكلم بينما بقية الكائنات بما فيها الطبيعة تغضب وتتفاعل وترد الصاع صاعين بالأفعال المُلغّزة كونها لا متحدث باسمها إلا الكوارث.

وباء كورونا يحمل رسائل عدة منها أن هناك قوى ما ورائية غالبة وقادرة على أن تكبد غرور الإنسان أفدح الخسائر، وهذه السنة الميلادية سنة كبيسة، والكبس له دلالات، منها الضغط والشد والهجوم والاقتحام، واسم المفعول من كبس مكبوس.

كانوا يقولون لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله. وهنا نقول ما أعدل الخوف حين جعل الرؤوس تتساوى في القلق والاحتياطات، والشعور بالخوف الجماعي نعمة. وتخويف كورونا للجميع عدالة.

* كاتب سعودي

Al_ARobai@