-A +A
علي بن محمد الرباعي
اضطر أحد القرويين قبل عقود إلى الانتقال بشكواه من منطقته إلى العاصمة ليعرضها بموجب نُصح العارفين على مسؤول عُرِف عنه الحسم والحزم والهيبة. فدخل القروي المتعب من السفر وتكالب الظروف على المسؤول ورجلاه بالكاد تحملاه. فصاح (أنا في ذمتك) ردّدها مراراً، والمسؤول يردّ عليه (بل أنا في ذمتك).

كشف المسؤول لحضور مجلسه سبب قولته للمواطن (أنا في ذمتك)، وبيّن أنه قالها ليوقظ ضميره، وأنه بدلاً من تحميل المظلمة ذمة المسؤول تحتملها أولاً ذمة السائل، حتى لا يفتري ولا يتفنن في استمالة مشاعره وقناعته وقراره بالدجل والتمثيل وخصمه غائب، سواء كان الخصم فرداً أو مؤسسة.


يعي المسؤول الفطن أن حب الانتصار والرغبة في التشفي يدفعان ضعيف الشخصية وقليل العلم إلى الافتراء وعدم الموضوعية فيبالغ في طرح قضيته، ويتقمص دور المظلوم، وربما بكى وصرخ ومزق ثيابه، والذِّمم ليست سواء منها غالٍ ومنها رخيص.

يمكننا القول إننا نعيش اليوم في ظل دولة القانون إذ لا مجال للشخصنة والذاتية في الحقوق، فالمرجعية أنظمة ومواد ولوائح وتشريعات وقرارات صادرة عن جهات عليا درست وراجعت واستعانت حتى اكتسبت صبغتها الأخيرة.

بالطبع نحن جميعاً في ذمة النظام أو على ذمته. والقانون العام في كل دولة يحمي الأعراض ويحفظ الحقوق ويحاسب المخطئ دون حاجة لتملق أو استعطاف أو استدراج عاطفة القائم على النظام.

بعض الأفراد ينظرون للحق الخاص بحساسية عالية جداً ويعتبر كل صاحب دعوى أن دعواه مُحِقّة وأن الحكم والتوجيه لا بد أن يكون في صالحه، وإن لم يتحقق ما أراد شنّع وفظّع بالإدارات والمديرين.

لا يُعاب النظام ولا يُسبّ المنظم كونه لم يفصّل الأنظمة على الرغبات والأهواء والمقاسات الخاصة بكل هوى. ولو اتبع الحق الأهواء لفسدت الأرض. وابن الوردي يرسم صورة للمسؤول بقوله:

«إنّ نصفَ الناسِ أعداءٌ لمن،

وَلِيَ الأحكام هذا إنْ عدل».

التحدّي الإداري الأكبر للجهات التنفيذية والقضائية يتمثل في التوازن بين نصوص النظام وبين روحه، ونعلم جميعاً أن صلاحيات الحاكم الإداري تُخوّله بإسقاط الحق العام فيما كان للدولة. ويبقى ما هو حق خاص محل تقاضٍ وإمكانية الصلح، والانتصار ليس بإقناع الجماهير، بل في راحة الضمير.

* كاتب سعودي

Al_ARobai@