-A +A
علي بن محمد الرباعي
مرّت بالمجتمعات الإنسانية عقود وعهود كل منها اتسم بسمة أو اكتسب صفة وفق معطيات الحقبة الزمنية، فهناك عصور مظلمة كما أن هناك عصور تنوير وهناك عصور الكهنوت الجائر وهناك عصر الفكر والوعي، وكلما كان مستقبل الإنسان مهدداً بالظلام ينتشله الله بنور من عنده، فيتجاوز ذاته، ويعلو شأنه، وتتعزز قدراته، ويحقق طموحاته إن صحّ منه العزم.

مما لحق بمجتمعات الشرك قبل التوحيد انتهاك الوسطاء نقاء العلاقة بين الخالق والمخلوق، وكانوا يفرضون على المواطن الضعيف ما يثقل كاهله من التزامات مالية لكي يحققوا له رضا الله عنه، فأنعم الله على الإنسان بالدولة وبالعلم والمعرفة حتى حققت (عقيدته) الاستقلال.


قبل وحدة هذا الوطن عاش أسلافنا عصر الفرقة والشتات والعصبيات والشركيات، فانتقلوا لزمن التوحيد الخالص والوحدة المثلى تحت راية (ابن سعود) فذابت معظم التشوهات وتحررت صورة الوطن في الذهن والمشاعر، وأعقبه عصر بناء مؤسسات الدولة وإشادة المرافق، وكانت الدولة تتحمل كافة احتياجات المواطن ولا تسأله قطميرا.

حلّت فترات طفرات وتلتها أزمات وجاءت انفراجات وتأرجح الوضع بين رخاء وتقشف، وكانت الألفيات السالفة ألفيات الدولة بينما كانت حواس ووجدان بعضنا خارج حدود الوطن متعلقة بالأممية والحروب الحزبية والجماعات التكفيرية كونه في رَغد عيش محفولاً مكفولاً من مؤسسات الدولة.

نحن في منظومة إنسانية يعتورنا ما يعتور غيرنا ونمر بتجارب منها رابح ومنها خاسر ومنها لا ربح ولا خسارة، إلا أنه ومثل ما ينمو وعي الفرد بالمعايشة وتتنامى خبراته كذلك هو حال الأوطان.

من مزايا العصر الذي نحن فيه أنه ينقل المواطن من خانة الاتكالية إلى عُهدة الاعتماد على الذات والخروج من بؤرة الاستهلاك إلى ميدان الإنتاج وتحمل المسؤولية ليكون شريكاً في تحمل تبعات المعنى الحقيقي للانتماء.

وبما أن المواطن غاية التنمية، ووسيلتها وعنوانها فمن الطبيعي أن يتصدر المشهد ولا يغيب في الوقت الذي يجب فيه أن يحضر، وإن اشتكى البعض من الأعباء والرسوم وتغوّل الضرائب فينبغي ألا ينسوا أنهم مروا بأزمنة ذهبية كانوا فيها يأخذون ولا يعطون ويرتاحون ولا يتعبون ويغنمون ولا يغرمون.

نحن في زمن عصر المواطن بامتياز، خصوصاً أن الدولة بذلت الكثير ليكون المواطن مؤهلاً وصالحاً للعصر.