-A +A
أسامة يماني
مؤتمر التجديد في الفكر الإسلامي الذي دعا إليه الأزهر، وعُقد الشهر الماضي بالقاهرة، خرج بتسعة وعشرين توصية. هذه التوصيات تتطلب منا الوقوف عليها ومراجعتها ونقدها من أجل إحداث حراك فكري يرمي إلى تجديد فعلي وليس تكرار قوالب وأشكال بعيدة عن التجديد الذي نسعى إليه.

ولإحقاق الحق فإن الدعوة إلى مثل هذا المؤتمر في حد ذاتها تُعبر عن إدراك للمشكلة التي يُعاني منها الفكر العربي والإسلامي.


جاءت التوصية الأولى لتحقق وتؤكد أهمية وضرورة التجديد؛ فقد نصت على أن «التجديد لازم من لوازم الشريعة الإسلامية، لا ينفك عنها، لمواكبة مستجدات العصور».

وكنت أتمنى طالما أن هناك إقرارا بلزوم التجديد أن تُوضح التوصيات أسباب عدم القيام بهذا اللازم من لوازم الشريعة، حتى يتسنى للمجتمع والناس معرفة الأسباب والمُسببات والعمل على تجنبها والوقوع فيها.

لقد جاءت التوصيات بشكل عام فضفاضة وغير منضبطة انضباطا نافيا للجهال. وغير متناسقة مع هدف المؤتمر والغرض منه وهو العمل على تجديد الفكر الإسلامي.

يظهر هذا جليا في التوصية الثانية للمؤتمر التي أحالتنا إلى أصول الفقه الذي يتطلب في حد ذاته تجديدا. وأصول الفقه في الإصلاح هو: (العِلم بالقواعد التي يُتوصَّلُ بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من أدلَّتِها التفصيلية).

وهو ما نصت عليه التوصية الثانية في قولها بضرورة الالتزام بالقواعد (الأصولية) العامة: «أما النصوص الظنية الدلالة فهي محل اجتهاد.. شريطة أن يجيء التجديد فيها على ضوء مقاصد الشريعة وقواعدها العامة، ومصالح الناس».

وكما هو معلوم يُعتبر علمُ أصول الفقه من ابتكارات العقل الإسلامي في زمن إبداعاته وتقدمه قبل نحو اثني عشر قرنا من الزمن. وهو «يُعادل علم المنطق عند اليونان في العصر القديم، وفلسفة القانون عند الأوروبيين في العصر الحديث».

لقد تطور علم الفلسفة عند الأوروبيين وعلم المنطق عند اليونان. وإن التجديد في الفكر الديني يلزمه تجديد حقيقي في علم الأصول الذي كان إبداعاً يتماشى مع غايات وآليات ذلك العصر الزاهي. أما الوقوف عند الأصول الفقهية فذلك رجوع للماضي وآلياته التي لن تُمكننا من التجديد.

وقد نصت التوصية الثالثة على أن «التجديد صناعة دقيقة لا يُحسنها إلا الراسخون في العلم». وهذه التوصية الثالثة تؤكد على حرص المؤسسات الدينية على الانفراد بالتأويل والتفسير والتجديد والعيش في جزر معرفية منفصلة عن ما حولها. وهذا يعني تأكيدا على الازدواجية وعدم الاتساق المعرفي، بما ينتهي إلى عدم تأسيس تكامل معرفي في مجتمعاتنا الإسلامية، وعدم تحقيق الهدف المقصود وهو تجديد الفكر الإسلامي.

أما التوصية الرابعة، فقد أُفردت للتيارات المتطرفة، وكان الأجدر أن تكون للفكر الأحادي بكافة أشكاله وأنواعه وأطيافه.

إن التوصيات كثيرة ولا يُمكن مُعالجتها جميعها في هذا المقال، إلا أنني أستطيع أن أقول من وجهة نظري أنها ما زالت تراوح مكانها ولم تخرج عن المألوف والموروث.

ولكي نُحقق تجديدا حقيقيا يجب أن نقوم بتفكيك الخطاب الديني وفك جمود الفكر الإنساني الديني المتشدد والمتصلب، وإزاحة كافة المرجعيات الوهمية، ونقد العقل النقلي، واستخدام الشك المنهجي، وتأسيس مرجعيات جديدة وأصولية حديثة.

* كاتب سعودي

‏yamani.osama@gmail.com