-A +A
صدقة يحيى فاضل
ما زلنا نتحدث عن إسرائيل 2020م، ونحاول استشراف وضعها، عبر التركيز على جانب من العوامل و«القضايا» الحيوية الكثيرة التي تتعلق بها، والتي يمكن اعتبارها «مداخل» لمعرفة موقف إسرائيل، وهي: وضعها الديموغرافي، مدى قوتها ككل، سياساتها تجاه جيرانها، موقفها نحو الفلسطينيين، موقفها نحو «السلام» مع العرب، سعيها المحموم للتسلح والسيطرة الإقليمية... إلخ. واخترنا هدف الهيمنة الصهيوني (السعي للقوة) لإلقاء الضوء تلقائيا على أبرز ملامح السياسة الإسرائيلية القادمة، أو المتوقعة، في العام الجديد، وفي المدى القريب بعامة. فالسيطرة على منطقة الشرق الأوسط هي الهدف الأكبر، الذي تعمل الصهيونية علي تحقيقه واستمراره. أما وسائله، فأهمها: تقوية الذات الإسرائيلية، وإضعاف الخصم العربي، وبقية القوى الإقليمية المناوئة، لأقصى حد ممكن. هذه السياسة ستستمر، وبزخم أقوى، كما يبدو.

****


تبذل إسرائيل، وأنصارها، قصارى جهدهم، لإجهاض أي برنامج نووي بالمنطقة، ولو كان سلميا، وتوجيه ضربة عسكرية قاصمة ضده. والمثال السابق هو العراق. أما الراهن فقد يكون: إيران... ودعوة إسرائيل لقصفها، بسبب إصرار إيران على امتلاك التقنية النووية المتقدمة. وقد لا تتردد الإدارة الأمريكية طويلا، في التجاوب مع هذا الطلب، حباً وكرامة للكيان الصهيوني... ورغم أن هذا الدعم الأمريكي المطلق يعود إلى عقود خلت، إلا أن أكثر «الإدارات» الأمريكية محاباة للصهيونية، هي إدارة دونالد ترمب. إذ ألغى الاتفاق النووي الذي صادق عليه مجلس الأمن الدولي عام 2015م، وفرض عقوبات مشددة على إيران، لمنعها من امتلاك السلاح النووي. ولم يتم التطرق، ولو بالإشارة، لترسانة الأسلحة النووية التي تمتلكها إسرائيل، وتهدد بها من حولها. وبالغ في دعم إسرائيل، فأصدر قراره باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، واعتباره هضبة الجولان ملكا لإسرائيل، واعتبار المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية الفلسطينية شرعية...؟!

وبعض المؤيدين لقيام إيران نووية يتحججون بسياسات إسرائيل، وبامتلاكها لهذا السلاح الفتاك. ولكن، حتى امتلاك الكيان الصهيوني لهذا السلاح لا يبرر سعي آخرين لامتلاكه. ولا شك أن إسرائيل وإيران هما من دفع وأسهم في حدوث هذا السباق المؤسف والمرعب، المهدد للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

****

لقد عانى العرب بخاصة من التحالف الغربي- الصهيوني الأمرين. والآن يأتي التهديد الإيراني ليزيد طين العرب بلة. وحتى الوقت الحاضر، لم يتخذ معظم العرب سياسة محددة وموحدة تجاه هذين التهديدين، ناهيك عن وجود «استراتيجية» عربية موحدة مفعلة، لمواجهة آثارهما وتداعياتهما السلبية على الأمن القومي العربي، والمصالح العربية العليا. وإسرائيل تمتلك الآن ترسانة ضاربة من السلاح النووي، قوامها حوالى 250 رأسا نوويا، موجهة -أصلا- ضد معظم بلاد المنطقة، وتستخدمها إسرائيل لردع وإرهاب وابتزاز العرب، على مدار الساعة. كما تعمل على استمرار احتكار هذا السلاح، وعدم السماح لأي طرف إقليمي، بامتلاك هذا الرادع، الذي يكاد الآن أن يمكنها من المنطقة بأسرها.

****

وباختصار، لن تجنح إسرائيل للسلام مع الفلسطينيين قريبا، طالما بقيت قوية والحال العربي كما هو. وستستمر في العمل لتحقيق هدفها الأكبر، وبالتالي، تقوية وتطوير ذاتها وإمكاناتها، والاستقواء بأمريكا والغرب المتنفذ. كما ستواصل سعيها للحصول على تطبيع علاقاتها مع بعض العرب... المستعدين للتطبيع معها، لتحقيق «مكاسب» خاصة. ولكن، طالما استمر هذا الكيان في سياساته العدوانية، ولم تحل القضية الفلسطينية حلا مقبولا - فلسطينيا وعربيا، فلن تشهد المنطقة أي أمن أو استقرار حقيقيين.

إن الكيان الصهيوني، في سياق عمله الدؤوب لتحقيق هدفه الأكبر، يعمل على مدار الساعة للإضرار بالأمة العربية، في كل المجالات، وبكل الطرق الممكنة. لم يمر يوم واحد دون وجود عدوان صهيوني من نوع ما، على هذه الأمة، منذ قيام إسرائيل عام 1948م. فإسرائيل، بوضعها الحالي، لا تريد سلاما، ولا تستطيع العيش، كما يبدو، دون عدوان وهيمنة. بينما كل الدول العربية -تقريبا- ومعظم دول العالم، هي قطعا مع السلام، وضد انتشار الأسلحة النووية، في كل الدول، وليس في دولة دون أخرى... لا سيما أن للاستخدام الضمني للسلاح النووي فاعلية تعادل فاعلية استخدامه الفعلي. ولكن المنطق الصهيوني واضح المعالم والغايات، فلسان حاله الحالي يقول: لإسرائيل أن تهيمن على المنطقة ومقدراتها، وأن تكون هي الآمرة الناهية بها، وأن تحتكر كل أسلحة الدمار الشامل بالمنطقة، وإلا....؟!

* كاتب سعودي

sfadil50@hotmail.com