-A +A
حمود أبو طالب
لم يبالغ الذي قال إن أعمارنا لا تنقص بمضي الأيام فقط، ولكن أيضاً بفقدان من نحبهم. أولئك الذين يسكنون قلوبنا ثم يقطفهم الموت فجأة ونحن ننتظر لقاءاتنا القادمة بشغف، نتحين رؤيتهم لنتجاذب أحاديث الذكريات والزمن الجميل، قبل أن يهصر الزمن منابع الفرح بقسوته وجسارته على تجفيف كثير من جداول البهجة واللامبالاة بمتاعب الدنيا.

والعالم يحتفل بالعام الجديد، جاءني النبأ الذي لم يكن يخطر على بالي مع كامل إيماني بالقضاء والقدر الذي لا نعرف متى يحدث. كنا جيراناً وزملاء وأصدقاء، كنا غالباً لا نفترق إلا وقت النوم، وعرفت مع الوقت كيف يكون الرجال الأقوياء أنقياء بقلوب وابتسامات أطفال. لم أشاهده مكتئباً أو حزيناً أو ممتعضاً من أي ظرف قاسٍ أو موقف صعب يمر به، ضحكته العالية الصافية كانت دائمة الحضور، وقلبه الجميل كان يقفز على لسانه، ساخراً من كل منغصات الحياة، يضع رأسه على سريره وينام بلا قلق لأنه لا يحقد ولا يبيّت في نفسه ضغينة، ولا يشغل خاطره بما سيحدث غداً.


فرقتنا ظروف الحياة لكنني كلما التقيته أجده كما هو، حضنه دافئ وقبلاته حميمة وصادقة وهو يرحب بي، أو بأي صديق له. لا يمكن أن يسمح لي بعذر عن قضاء أطول وقت معه، وبالتأكيد لم أكن أسمح لنفسي بالاعتذار لأنني دائماً في شوق كبير له، ويا لها من أمسيات خضراء كالحقول النابتة في روحه، ولحظات بيضاء كالفل النابت على جبينه.

إنه صديق العمر، الدكتور «علي الحمزي» الذي شغل مواقع قيادية مهمة في الشؤون الصحية بمنطقة جازان، وعمل بكل نزاهة وإخلاص حتى اللحظة الأخيرة من حياته، داهمه الموت وهو في كامل أناقته وعطائه وحبه لكل جميل في الحياة.

لك الدعاء الصادق يا أبا محمد أن تغشاك سحائب الرحمة، وأن يمنح الصبر لأسرتك ومحبيك. وعذراً لأني لم أكن قادراً على الحضور لأطبع القبلة الأخيرة على جبينك.