-A +A
هاني الظاهري
لا يشك أي اقتصادي أو مهتم بالاقتصاد في أن التجارة الإلكترونية هي سمة العصر الذي نعيش فيه حتى بات التعامل بها أسلوب حياة أساسي آخذ في الارتقاء إلى مستوى الضرورات، وهذا أمر يستلزم وجود خدمات لوجستية بحجم النمو الذي نطمح له في هذا المجال، فالتجارة الإلكترونية قائمة أساساً على الخدمات اللوجستية لا ابتسامات مسؤولي الجهات التنظيمية وتصريحاتهم التشجيعية لرواد الأعمال في المؤتمرات، ما يعني أن ضعف هذه الخدمات أو تعقيدها وتصعيب الاستفادة منها حكم بالإعدام على آلاف المشاريع الصغيرة الناشئة.

لدينا في السعودية أنظمة جيدة وبنية أساسية مقبولة لهذه التجارة، لكن أصحاب المشاريع يعانون من إشكالية معقدة في هذا الجانب بسبب ضعف الخدمات اللوجستية التي تقدمها مؤسسة البريد السعودي، إذ إنهم مجبرون على التعامل مع شركات الشحن التجارية والتطبيقات المجهولة برسوم عالية لتوفيرها «خدمة الدفع عند الاستلام» التي عجزت مؤسسة البريد السعودي عن تقديمها للمشاريع الناشئة أو فضلت حصرها في عدد محدود من الشركات الدولية الكبرى من باب «بلاش وجع راس»، مع أن لديها كل الإمكانات لتحقيق أرباح مهولة من التجارة الإلكترونية المحلية، عبر فتح حسابات مالية لديها لأصحاب المشاريع وتقديم الخدمة لهم.. خصوصاً وأن هذه الخدمة تستحوذ على نسبة تتجاوز 50% من التعاملات التجارية الإلكترونية.


في دولة مجاورة مثل مصر التي يصل عدد سكانها إلى 90 مليون إنسان يمكن لأي مواطن منذ سبعينيات القرن الماضي أن يفتح حساباً مالياً في مؤسسة البريد التي يسميها إخوتنا المصريون بلهجتهم الجميلة «البوسطة» ليس للتجارة فقط بل للتوفير أيضاً، والاشتراط الوحيد أن يكون لديه رقم هوية لا أكثر، فهل عجزت مؤسسة البريد السعودي عن إيجاد حلول مشابهة في هذا الجانب طوال عمرها، أم أن مسؤوليها يتعمدون الامتناع عن تقديم بعض الخدمات لعدم منافسة شركات الشحن التجارية لأسباب نجهلها؟!

إن مؤسسة البريد السعودي مصدر من مصادر إيرادات الدولة وينبغي أن يعمل مسؤولوها ليلاً ونهاراً على تنمية هذه الإيرادات وتقديم كافة الخدمات التي تسهم في ذلك بشكل فوري، فمن غير المعقول أن مؤسسة بهذا الحجم وهذه الإمكانات تتقزم تقزماً محزناً أمام شركات شحن تجارية (بعضها ناشئ) وتعجز عن تقديم ما تقدمه تلك الشركات للتجارة الإلكترونية من خدمات أساسية مثل الخدمة التي أشرت إليها، في زمن باتت فيه التجارة الإلكترونية محركاً مهماً للاقتصاد العالمي بشكل عام.

يمكن للإخوة في البريد السعودي أن يعتبروا هذا نقداً أو هجوماً ويحاولوا التبرير، لكنه في الحقيقة ليس كذلك بل إنه مجرد استشارة مجانية مقدمة لهم على طبق من عتب، ليتهم يأخذون بها قبل أن يأخذهم السوق إلى أسفل درجات السلم دون أن يشعروا.

Hani_DH@