-A +A
منى العتيبي
في دورة تدريبية، كانت إحدى القائدات تتحدث عن فنونها الإدارية وآخر ما توصلت له من طرائق واختراعات تنظيمية إدارية لضبط عملية حضور وانصراف الموظفات.. تتحدث بفخر والأخريات يصفقن بحرارة وانبهار!

حينها، وأنا أراقب لمعة الفخر في عينيها، أخذت أسأل نفسي، وأنا أعرف جيداً الهدف المطلوب منها تحقيقه في إدارتها، والبعيد كل البعد عما أنجزته، وعما أسهبت فيه من وقتها وجهدها لتحقيقه..


كنت أتساءل: مثل هؤلاء القادة مَن يخبرهم بأدوارهم الحقيقية؟

وكيف لم تستطع الإستراتيجية العليا للإدارة أن توضح لهم أهدافها التي من أجلها أنشئت؟

وإن كانت هذه الإستراتيجية واضحة وجلية أمامهم لماذا لم يتم استيعابها؟..

ما العائق التخطيطي فيها؟ خصوصاً أن مثل هذه الأعمال التنظيمية التي ليست الهدف الأساسي الذي تم تعيين القائدة من أجله، إذ إن هناك إدارات تنظيمية أخرى تقوم بهذا الدور نيابة عنها وبشكل أجود منها!

فلماذا تستهلك مثل هذه القائدة جهودها وتبعد عن الهدف المطلوب منها؟

لماذا لا أحد يراقب أداءها ويخبرها بالانحراف في تحقيق نتائج أعمالها؟

والسؤال الأكثر أهمية، من يشارك معها في صناعة الأهداف التخطيطية للإدارة، ومن يساعدها في بناء مستهدفاتها السنوية، ومؤشرات أدائها الحيوية؟

عشت الكثير من الأسئلة الإدارية التي تتمحور حول العلاقة الإنتاجية بين القائد والهدف القيادي المنوط منه، رأيت أن هناك لبساً في الفهم لدى الأغلبية في استيعاب هذه العلاقة، خصوصاً لدى إداريي المؤسسات الحكومية. لذلك تظل أغلب الإدارات الحكومية في حالة ركود وتشتت بين اللعب حول مفاهيم القيادة والإدارة، وما علاقة الرئيس بهذا أو ذاك في طريقه لتحقيق الأهداف الإستراتيجية الكبرى لمنظمته.. وهنا تكمن مواطن القوة أو الضعف في المهارات الإدارية للمسؤول، إذ نجد البعض يركز على الهدف الأساسي لوجوده ووجود منظمته ويصل إليه. والآخر يحوم حول الحمى ويلعب أدواراً إدارية ليست من صلب مهامه، تعلمها من دوراته التدريبية البسيطة ومن ثم جاء ليقولبها في إدارته الجامدة! والجامدة أرمي بها إلى ابتعادها عن الهدف /‏ المتن وانشغالها بالهامش.

كثير من القادة يدفعهم حماسهم الإداري ورغبتهم في التطوير وتعزيز مهاراتهم القيادية إلى الغور في سبل بعيدة عن جوهرية المنجز المطلوب، ولم تفلح الدورات التدريبية المدفوعة، ولا البرامج القيادية غير المحترفة، في توجيه حماسهم بالشكل المطلوب. وفي اعتقادي أن السبب يعود إلى القائد /‏ الإداري نفسه. الذي يشغل نفسه أولاً بإعداد سيرته الذاتية ويصبح لديه هاجس عدد البرامج والدورات والشهادات والأوراق حتى تمتلئ سيرته ظاهرياً أما واقع الإنجاز والإنتاج فيبقى هباءً وفراغاً!

والسبب الآخر يعود إلى الاستعلاء الاجتماعي، الذي اغتر به هذا القائد ووقع فريسته، ليرى ذاته بعيدة كل البعد عن النقد والنقص والإخفاق. فيقوده ذلك إلى جهله بتحديد مواطن ضعفه التي تحتاج إلى القوة، وعن تشخيصه الحقيقي لحاجاته واحتياجاته التي تمكنه من الهدف وتبلغه الوصول إليه، وبذلك يفقد أدوات منهج المراجعة والتصحيح.

القائد إن لم يكن مستمعاً جيدّاً منفتحاً على الرأي الآخر.. محاوراً ومناقشاً ومتفاعلاً مع أقرانه من القادة، ومتواصلاً مع إدارات المنشأة، ومتقبلاً للضد دون شخصنة الأمر، لن يتمكن من بلوغ الهدف، وسيظل يحوم حول الحمى.

monaotib@